معنى وحدة الوجود
ب. - السعودية - 18/01/2011م
1- ما رأي سماحتكم في الفلسفة والعرفان؟ وما الحكم الشرعي منها؟ مع ذكر الأدلة.
2- ما رأي سماحتكم في من يعتقد بديانة وحدة الوجود والموجود؟

الجواب

الجواب:1- إذا كانت غاية طالب العلم من تعلم الفلسفة هي تعلمها لذاتها، أي من أجل التبحر فيها، والتعمق في مسائلها، ليصبح طالب العلم بعد ذلك فيلسوفاً، لا لغرض آخر، فهذا علم لا ينبغي صرف الأعمار في دراسته، ولا سيما أن كثيراً من الفلاسفة عندهم شطحات كثيرة، وسقطات عظيمة، ولا يكاد يخلو فيلسوف من سقطة عظيمة، أو شطحة كبيرة، وقد قال لنا أحد أساتذتنا في قم المقدسة: «إنه درس علم الفلسفة عشر سنين، وهو الآن نادم على أنه أضاع من عمره في دراسة هذا العلم كل هذه السنين»، وقال: «لو أني صرفت هذه السنين في دراسة علوم آل محمد عليهم السلام لكان خيراً لي».

وأما إذا كانت الغاية من دراسة الفلسفة هي الوصول إلى فهم العلوم الشرعية، وفهم أدلتها، أو فهم مسائل علم أصول الفقه بالخصوص، كما هو الداعي إلى دراسة علم المنطق وعلم النحو والبلاغة والصرف ونحوها، أو لأجل فهم كلام الفلاسفة من أجل الرد على ما هو خطأ منها، فهذا أمر لا شك في حسنه ورجحانه، ولهذه الغايات يدرس طالب العلم علم الفلسفة في الحوزات العلمية.

 

 وأما العرفان فإن أريد به معرفة السير والسلوك إلى الله تعالى، وكان ذلك على ضوء القرآن الكريم، وروايات النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وروايات أهل البيت عليهم السلام، فهذا أمر حسن مندوب إليه؛ لأن المطلوب من الخلق هو الإيمان والعمل، كما قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1-3].

 

وأما العرفان الذي يُدَّعى معه الكشف والشهود، ويكون سبباً لترك أحكام أهل البيت عليهم السلام، اعتماداً على ما يزعمونه من الكشف والشهود، فهذا ليس بعلم، وإنما هي دعاوى ثبت بطلانها، ولا ينبغي لطالب العلم أن يصرف شيئاً من عمره فيها؛ لأنها إن لم تضره لم تنفعه.

 

2- أن القول بوحدة الوجود ووحدة الموجود هو رأي فلسفي، وليس بديانة، وينبغي التمييز بين هذين الأمرين، ومعرفة ما يراد بهما قبل الجزم ببطلانهما أو تكفير القائل بهما.

 

فإن أريد بوحدة الوجود أنه لا يوجد إلا وجود واحد لكل الموجودات، فليس هناك أي تعدّد في وجودات كل الموجودات، كما أنه لا تعدّد في أعيانها، فوجود الممكن المخلوق هو عين وجود الواجب الخالق سبحانه، والممكن والواجب هما شيء واحد لا اثنان، ولا فرق بين تلك الوجودات المتصوَّرة في الذهن حتى من حيث الكمال والنقصان، وإنما الاختلاف بينها بالاعتبار فقط دون الحقيقة، فهذا القول ـ وهو وحدة الوجود والموجود ـ لا شك في أنه باطل بالعقل والنقل، ومن اعتقد بذلك لا عن شبهة فهو كافر؛ لأنه ساوى بين الخالق والمخلوق، فلا خالق ولا مخلوق عنده إلا بالاعتبار فقط دون الحقيقة، بل هما عنده في الحقيقة شيء واحد، كما أنه جعل المخلوق خالقاً، والخالق مخلوقاً، وهذا كفر وزندقة.

 

وأما إذا أريد بوحدة الوجود أن حقيقة كل الوجودات واحدة، وأن الوجود أمر جامع بين مراتب الوجودات المختلفة، فكل الموجودات المختلفة يجمعها عنوان عام، وهو عنوان الوجود، وكل الوجودات هي أفراد لذلك الوجود الكلي، فهي متعدِّدة بالأفراد، ومتفاوتة في المراتب من حيث الكمال والنقصان، وأن المرتبة الكاملة للوجود هي وجود الخالق سبحانه، والمرتبة الناقصة للوجود هي وجودات الممكنات، فهذا القول لا محذور فيه، ومعتقده لا يكون كافراً.

 

وبكلمة مختصرة نقول: إن من قال بوحدة الوجود والموجود فهو كافر، ومن قال بأن عنوان الوجود واحد، ولكن له أفراد متعددة، ومتفاوتة في الكمال والنقصان فلا محذور فيه.

 

وبهذا الذي قلناه يتضح أن من طعن من علمائنا الأعلام في القائلين بوحدة الوجود وأكفرهم فإنما نظر إلى القائلين بوحدة الوجود بالمعنى الأول، ومن قال منهم بوحدة الوجود فإنما أراد المعنى الثاني، والله العالم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ علي آل محسن