تساؤلات حول المسيرات والمظاهرات في المنطقة
م. ا. - القطيف - 01/04/2011م
السلام عليكم
قرأت كلمتكم في هذا الموضوع، وأعجبني ربطكم فيها المكلفين بمرجعهم الأعلى، حيث إن هذه هي الحالة الصحية لأتباع المذهب الشيعي والتي نحتاج للتأكيد عليها دائما.
ولدي بعض التساؤلات التي قد تخطر على بال من يقرأ كلمتكم.

س1: ذكرتم بأن الخروج في المسيرات والمظاهرات يؤدي دائماً - بحسب المشاهدات الكثيرة - إلى سفك الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، والإخلال بالأمن، وهذه أمور عظيمة، لا ينبغي لمؤمن أن يتسبب فيها إلا بفتوى صريحة من المرجع الأعلى تجوز له فعل ذلك.
ولكن هذه الأضرار التي تحدثتم عنها لا يمكن نسبتها للمتظاهرين، فالمتسبب هو من قام بهذه الأضرار. ألا تعتقدون أن هناك خلطاً فيمن هو المتسبب بهذه المضار؟ لأنه على مدى التاريخ لكي يتم إفشال أي مطالبة بحق يتم الاعتداء على الناس وترويعهم؛ لكي يقال: إن نتيجة المطالبة بالحق هي سفك الدماء.

س2: قد يتساءل شخص بأن يقول: إن مطالبات الوجهاء على مر السنين الطويلة هي التي جلبت الذل إلى الناس، وذلك من خلال حصرهم وسائل المطالبات بهذه الطريقة التقليدية التي لم تجد نفعا، ويمكن تشبيهها بالمفاوضات التي لا تنتهي، ولا تؤدي إلا لزيادة سلب الحقوق، فالطريقة التقليدية في المطالبة سببت الذل والهوان لجميع الطائفة الشيعية، وهؤلاء الوجهاء لم يستشيروا جموع الشيعة في هذه الطريقة، فما هو جوابكم؟

س3: ذكرتم أنه لا بد من الرجوع للمرجع الأعلى في مثل هذه المسائل، إلا أن هذه المسألة مسألة تشخيصية، والتشخيص وظيفة المكلف، فكيف يتم الرجوع للمرجع في تشخيص الحكم الشرعي الذي هو خاص بمنطقتنا، ونحن أعلم بتشخيصه؟ وخصوصاً في الظرف الذي لا يمكن للمرجع الإدلاء بأي تصريح؛ لما في ذلك من حمله على التدخل في شؤون الآخرين؟
أنا لا أعتقد بهذه التساؤلات، إنما أطرحها لأنها قد تطرأ على بال أي شخص ولكي يكون الخطاب محكماً.
وفقكم الله لخدمة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
الجواب

ج 1: أن الخروج في مظاهرات أو مسيرات سلمية لا شك في أنه مندرج تحت باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمن من الضرر، الذي ربما يطال النفوس، أو الأموال، أو الأعراض، وغيرها مما يفتعله المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر أو غيره.

فمتى ما احتملنا لحوق الضرر بنا، فإنه لا يجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ربما يكونان محرَّمين إذا كان الضرر كبيراً لا يجوز الإقدام عليه.

وهكذا الحال فيما نحن فيه، فإن المتظاهرين وإن لم يكونوا هم المتسببين في سفك الدماء، أو سلب الأموال، وهتك الأعراض، وكان المتسبب في ذلك هم رجال الأمن، إلا أن احتمال وقوع الضرر، بل العلم بوقوعه، يقلب المعادلة، ويجعل مثل هذا العمل محرماً لا واجباً، لأنه لا يجوز للمؤمن أن يخاطر بالدماء، أو بالأعراض، أو بالأموال المهمة.

وهنا السؤال المهم: هل يجوز لي الخروج في المسيرات والمظاهرات للتعبير عن مطالب عادلة، إذا علمت أن رجال الأمن ربما يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين، فيقتلون بعضهم، ويجرحون آخرين؟

هذا ما أكدت على أنه يجب على المكلف أن يسأل مرجعه عنه، ليكون على بينة من أمره، ولئلا يتصرف تصرفاً متسرعاً يؤدي به إلى الهلاك، ولا يكون مأجوراً عليه.     

 

ج 2: أن الوجهاء بذلوا قصارى جهدهم من أجل تحقيق مطالب الشيعة، إلا أن الدولة لم تستجب لهم، وهذا لم يتسبب عنه أي ذل إضافي للشيعة، ولم نلحظ أن الوجهاء كلما طالبوا الدولة ازداد الأمر سوءاً، وسلب المزيد من حقوق الشيعة، بل الملاحظ أن الحال لم يتغير، وأن تلك المطالبات لم يترتب عليها أي فائدة تذكر.

فقولك: «إن المطالبات بهذه الطريقة التقليدية قد أدَّت إلى سلب الحقوق، وتسببت في ذل الشيعة وهوانهم»، كلام مبالغ فيه، لا يؤيده الواقع، بل الواقع يشهد بخلافه؛ لأن تلك المطالبات وإن لم تجد نفعاً بحسب الظاهر إلا أنها ربما منعت سلب المزيد من حقوق الشيعة.

ولو سلمنا أن مطالبات الوجهاء لم تجد نفعاً، فهل ترون أن الأسلوب الصحيح للحصول على حقوق الشيعة هو الخروج في مسيرات ومظاهرات، ولا سيما أن المنطقة لها تجربة سابقة مريرة وفاشلة في سنة 1400هـ، لم يجن منها الشيعة إلا مزيداً من الذل والهوان والإقصاء والتهميش والسجن والخوف والتغريب.

 

ج3: صحيح أن الخروج في مسيرات ومظاهرات أمر خاص بالمنطقة، والمرجع لا يتدخل في أمثال هذه الأمور، وأن وظيفة المرجع هي الفتوى وبيان الوظيفة الشرعية، وأما التشخيص فهو وظيفة المكلف، ولكني أقصد باستفتاء المرجع هو استفتاؤه في الخروج في المسيرات والمظاهرات مع بيان ما يُحتمل من الأضرار والمكاسب، من غير حاجة إلى ذكر خصوصيات المسألة ومشخصاتها، بأن يُسأل المرجع مثلا هذا السؤال:

هل يجوز لي الخروج في مظاهرة أو مسيرة سلمية، للمطالبة بحقوق الشيعة، إذا كانت الدولة تمنع مثل هذا العمل، وتواجه المتظاهرين بالضرب المبرّح، والسجن، وربما تطلق الرصاص الحي عليهم، مع العلم أننا لا نعلم بنتائج هذا العمل، فربما يحصل الشيعة على بعض حقوقهم، وربما يزداد وضع الشيعة سوءاً، فتستباح حرماتهم، وتسفك دماؤهم، وتسلب أموالهم، وتهتك أعراضهم، ويختل أمنهم، وتخرب ممتلكاتهم، وغير ذلك مما لا نعلمه من المضار العظيمة؟

فإن أجاب المرجع بوجوب الخروج في تلك المظاهرات والمسيرات، حتى مع العلم بوقوع أمثال هذه الأمور أو مع الظن القوي بوقوعها، فإنه يجب على المكلف أن يعمل بفتوى مرجعه، وإن أجاب المرجع بعدم الجواز لزمه الانتهاء عن هذا العمل.

وبحسب السيرة المستمرة لمراجع الطائفة فإنهم لا يقحمون الشيعة في الأعمال التي يترتب عليها سفك الدماء، وهتك الأعراض، والإخلال بالأمن، بل يدعون الشيعة دائماً إلى ضبط النفس، والعمل على حفظ دمائهم وصيانة أعراضهم وأموالهم.    

الشيخ علي آل محسن