حال محاربي أمير المؤمنين عليه السلام
ا. م. - المدينه - 30/11/2011م
هل صحيح أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال عن معاوية وأصحابه في صفين: «إنهم إخواننا بغوا علينا»؟

ماذا نحكم عليهم؟ هل هم كفار أم نواصب أم منافقون؟ وهل هم ملعونون يجوز لعنهم؟ وهل نحكم عليهم بالنجاسة؟
الجواب

أن هذا الحديث مروي عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عليًّا عليه السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا. (الوسائل 11/62).

ونجيب على هذا بعدة إجابات:

1- ما أجاب به الشيخ المفيد أعلى الله مقامه، حيث قال: هذا خبر شاذ، لم يأت به التواتر من الأخبار، ولا أجمع على صحته رواة الآثار، وقد قابله ما هو أشهر منه عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأكثر نقلة، وأوضح طريقاً في الإسناد، وهو أن رجلاً سأل أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة، والناس مصطفون للحرب، فقال له: علام نقاتل هؤلاء القوم يا أمير المؤمنين ونستحل دماءهم وهم يشهدون شهادتنا، ويصلون إلى قبلتنا؟ فتلا عليه السلام هذه الآية رافعا بها صوته: (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) [التوبة: 12]. فقال الرجل حين سمع ذلك: كفار ورب الكعبة. وكسر جفن سيفه، ولم يزل يقاتل حتى قتل. وتظاهر الخبر عنه عليه السلام أنه قال يوم البصرة: والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54] (الإفصاح: 125).

2- أن هذا الحديث بعد الغض عن سنده لا يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يرى كفر من حاربوه من أهل الجمل وصفين والنهروان، وإنما يدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان لا ينسبهم للكفر والنفاق، أي يمسك عن قول ذلك، وإمساكه عليه السلام عن القول بكفرهم لا يدل على أنه كان يعتقد بإسلامهم؛ إذ ربما يرى الرجل المصلحة في ألا يجهر بكفر من يعتقد كفره.

مع أن بعض الأحاديث دلت على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يصرِّح بكفر محاربيه كما مر نقله قريباًعن الشيخ المفيد قدس سره.

وقد روى الشيخ المفيد قدس سره بسنده عن الأصبغ بن نباتة رحمه الله، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة، فقال: يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الذين نقاتلهم، الدعوة واحدة، والرسول واحد، والصلاة واحدة، والحج واحد، فبم نسميهم؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: سمهم بما سماهم الله عز وجل [ به ] في كتابه، أما سمعته تعالى يقول: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ) [البقرة: 253]، فلما وقع الاختلاف كنا أولى بالله، وبدينه، وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبالكتاب، وبالحق، فنحن الذين آمنوا، وهم الذين كفروا، وشاء الله منا قتالهم فقاتلناهم بمشيئته وأمره وإرادته. (أمالي المفيد: 101).

3- أن الأخوّة في الحديث لا تستلزم اعتقاد أمير المؤمنين عليه السلام بإيمان القوم؛ لأن الأخوة ربما تكون أخوة عشيرة، لا أخوة الدين، فإنهم كانوا من قريش، وهذا نظير ما ورد في قوله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) [الأعراف: 65]، وقوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ) [النمل: 45] ، وقوله: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 85].

وقد روى العياشي هذا الاستدلال عن الإمام زين العابدين عليه السلام في تفسير سورة الأعراف بسنده، قال: جاء رجل من أهل الشام إلى علي بن الحسين عليه السلام، فقال: أنت علي بن الحسين؟ قال: نعم. قال: أبوك الذي قتل المؤمنين؟ فبكى علي بن الحسين عليه السلام، ثم مسح عينيه، فقال: ويلك! كيف قطعت على أبي أنه قتل المؤمنين؟ قال: قوله: «إخواننا قد بغوا علينا، فقاتلناهم على بغيهم». فقال: ويلك! أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قال: فقد قال الله: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا)، (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا); فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟ قال له الرجل: لا، بل في عشيرتهم. قال: فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم، وليسوا إخوانهم في دينهم. قال: فرَّجت عني، فرج الله عنك. (تفسير العياشي 2/23).

وروى الطبرسي قدس سره أيضاً في الاحتجاج أن رجلاً من أهل البصرة جاء إلى علي بن الحسين عليه السلام، فقال: يا علي بن الحسين إن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين. فهملت عينا علي بن الحسين دموعا حتى امتلأت كفه منها، ثم ضرب بها على الحصى، ثم قال: يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل علي مؤمناً، ولا قتل مسلماً، وما أسلم القوم ولكن استسلموا، وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام، فلما وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمد صلى الله عليه وآله أن أصحاب الجمل وأصحاب صفين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبي الأمي وقد خاب من افترى. فقال شيخ من أهل الكوفة: يا علي بن الحسين إن جدك كان يقول: «إخواننا بغوا علينا». فقال علي بن الحسين عليه السلام: أما تقرأ كتاب الله: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً)؟ فهم مثلهم أنجى الله عز وجل هوداً والذين معه وأهلك عاداً بالريح العقيم. (الاحتجاج 2/40)

إذا اتضح ذلك نقول:

إن الذي ذهبت إليه الشيعة الإمامية أن محاربي أمير المؤمنين عليه السلام كفار هالكون، لا يشك الشيعة في ذلك.

أما الخوارج فقد ورد فيهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الخوارج: يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية  . (صحيح البخاري 3/1628).

وأما الآخرون فقد قال الشيخ المجلسي قدس سره: اعلم أنه اختلف في أحكام البغاة في مقامين: الأول في كفرهم. فذهب أصحابنا إلى كفرهم. قال الحقق الطوسي رحمه الله في التجريد: محاربو علي كفرة ومخالفوه فسقة. أقول - والقائل هو الشيخ المجلسي -: ولعل مراده أن مخالفيه في الحرب والذين لم ينصروه فسقة كما يومي إليه بعض كلماته فيما بعد. (بحار الأنوار 32/327).

إلى أن قال: والدلائل على ما ذهب إليه أصحابنا أكثر من أن تحصى، وقد مضت الأخبار الدالة عليه، وسيأتي في أبواب حب أمير المؤمنين عليه السلام وبغضه، وأبواب مناقبه، وإيرادها هنا يوجب التكرار، فبعضها صريح في كفر مبغض أهل البيت عليهم السلام، ولا ريب في أن الباغي مبغض. وبعضها يدل على كفر من أنكر إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وأبغضه. وبعضها يدل على أن الجاحد له عليه السلام من أهل النار ولو عبد الله منذ خلق السماوات والأرضين في أشرف الأماكن، وظاهر أن المؤمن مع تلك العبادة لا يكون من أهل النار. وبعضها يدل على كفر من لم يعرف إمام زمانه، وذلك مما اتفقت عليه كلمة الفريقين، والبغي لا يجامع في الغالب معرفة الإمام، ولو فرض باغ على الإمام لأمر دنيوي من غير بغض له ولا إنكار لإمامته فهو كافر أيضاً؛ لعدم القائل بالفرق. (بحار الأنوار 32/328).

وقد استدل الشيخ المفيد قدس سره على كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بعدة أدلة فقال:

ومما يدل على كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السلام علمنا بإظهارهم التدين بحربه، والاستحلال لدمه ودماء المؤمنين من ولده وعترته وأصحابه، وقد ثبت أن استحلال دماء المؤمنين أعظم عند الله من استحلال جرعة خمر، لتعاظم المستحق عليه من العقاب بالاتفاق. وإذا كانت الأمة مجمعة على إكفار مستحل الخمر وإن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فوجب القطع على كفر مستحل دماء المؤمنين؛ لأنه أكبر من ذلك وأعظم في العصيان بما ذكرناه، وإذا ثبت ذلك صح الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام على ما وصفناه. دليل آخر: ويدل على ذلك أيضا ما تواترت به الأخبار من قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: «حربك - يا علي - حربي ، وسلمك سلمي»، وقد ثبت أنه لم يرد بذلك الخبر عن كون حرب أمير المؤمنين عليه السلام حربه على الحقيقة، وإنما أراد التشبيه في الحكم دون ما عداه، وإلا كان الكلام لغواً ظاهر الفساد، وإذا كان حكم حربه عليه السلام كحكم حرب الرسول صلى الله عليه وآله وجب إكفار محاربيه، كما يجب بالإجماع إكفار محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله. دليل آخر: وهو أيضا ما أجمع على نقله حملة الآثار من قول الرسول صلى الله عليه وآله: «من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى»، ولا خلاف بين أهل الإسلام أن المؤذي للنبي صلى الله عليه وآله بالحرب والسب والقصد له بالأذى والتعمد لذلك كافر، خارج عن ملة الإسلام، فإذا ثبت ذلك وجب الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما أوجبه النبي صلى الله عليه وآله من ذلك بما بيناه. دليل آخر: وهو أيضا ما انتشرت به الأخبار، وتلقاه العلماء بالقبول عن رواة الآثار، من قول النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»، وقد ثبت أن من عادى الله تعالى وعصاه على وجه المعاداة فهو كافر خارج عن الإيمان، فإذا ثبت أن الله تعالى لا يعادي أولياءه وإنما يعادي أعداءه، وصح أنه تعالى معاد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام لعداوتهم له، بما ذكرناه من حصول العلم بتدينهم بحربه عليه السلام بما ثبت به عداوة محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله ويزول معه الارتياب، وجب إكفارهم على ما قدمناه. (الإفصاح: 127).

وأما القول بنجاستهم أو عدمها فهذا ليس محل ابتلائنا في هذا العصر، فلا حاجة لبحثه والخوض فيه، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ علي آل محسن