لماذا لم يصنع الإمام الحسن عليه السلام كما صنع الإمام الحسين عليه السلام؟
قد يعقد البعض مقارنة بين ما فعله الإمام الحسن عليه السلام من مصالحة معاوية، وما فعله الإمام الحسين عليه السلام من عدم مصالحة يزيد، ويتساءل قائلاً: إذا كان الصلح هو الصحيح فلم لم يصالح الإمام الحسين عليه السلام؟ وإذا كان عدم الصلح هو الصحيح فلم صالح الإمام الحسن عليه السلام؟
ونحن نجيب على هذا التساؤل بأمور:
1- إذا كنا نرى أن الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام معصومان فلا بد من التسليم بأن ما فعله كل منهما صحيح وإن لم نفهم الحكمة منه ووجه المصلحة فيه.
2- أن الظروف التي أحاطت بالإمام الحسن عليه السلام تختلف كلية عن الظروف التي أحاطت بالإمام الحسين عليه السلام، فلا يصح القياس مع هذا الفارق الكبير، فإن الناس كانوا ينظرون إلى معاوية أنه صحابي، ولم يكن رفض حكم معاوية له أية مبررات عندهم، باعتبار أن معاوية كان واليا من قبل عمر وعثمان على الشام طيلة عقدين من الزمان، بخلاف يزيد فإنه لم يكن صحابيا، بل كان معروفا بالفسق والفجور والتجاهر بالمنكرات، وحكمه لم ينل الشرعية من أمثال عمر وعثمان، مع أن فساد الحكم الأموي حينذاك قد ظهر للعيان، فإن الأمويين خلال فترة حكم اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا.
3- أن معاوية لم يطلب من الإمام الحسن عليه السلام البيعة، بخلاف يزيد فإنه أراد إكراه الإمام الحسين عليه السلام على بيعته، ولم يجعل له خيارا في القبول أو الرفض، وإمام الحق لا يبايع إمام الضلال، فكان لا بد من رفض تلك البيعة مهما كلف الأمر، ولهذا روي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السَّلة (أي الحرب بالسيف)، والذلة (أي البيعة)، وهيهات منا الذلة.
4- أن الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبرت أن الإمام الحسن عليه السلام يصالح، والإمام الحسين عليه السلام يقتل بغير حق.
فقد أخرج البخاري في صحيحه 2/962 أن أبا بكرة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
وعن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام، قال: فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا. (مجمع الزوائد 9/187، قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجاله ثقات).
وفي هذين الحديثين وغيرهما دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وآله قد صوَّب فعلهما وارتضاه، وإلا لأنكر عليهما فعلهما، وحذرهما من مغبته.