حديث الغدير
حديث الغدير هو قول النبي صلى الله عليه وآله: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه.
وهو حديث صحيح السند، جليل القدر، عظيم المضمون، وسنتكلم فيه من عدة جهات:
روي هذا الحديث في المصادر التالية:
1- سنن الترمذي 5/633 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
2- سنن ابن ماجة 1/45 .
3- صحيح سنن ابن ماجة 1/26.
4- المستدرك 3/109، 110.
5- مسند أحمد بن حنبل 1/84، 118، 119، 152، 321، 4/281، 368، 370، 372، 5/347، 366، 419.
6- حلية الأولياء 4/23، 5/27، 364.
7- مجمع الزوائد 9/103-106.
8- كتاب السنة، ص 590-596.
9- خصائص أمير المؤمنين، ح 12، 24، 79-88، 93-96، 98، 99، 157.
10- المعجم الكبير للطبراني ح 4968-4971، 4983، 4985، 4986، 4996، 5058، 5059، 5065، 5066، 5068، 5071، 5092، 5096، 5097، 5128.
11- صحيح ابن حبان 15/375.
12- المصنف لابن أبي شيبة ح 32056، 32064، 32069، 32082، 32083، 320109، 32123.
13- الأحاديث المختارة ح 464، 479، 480، 481، 553.
14- مختصر إتحاف السادة المهرة 9/194-19.
2- صحة سند الحديث وتواتره:
صحَّح هذا الحديث جمع من أعلام أهل السنة، منهم:
1- الترمذي في سننه 5/633، فإنه قال: هذا حديث حسن صحيح.
2- الحاكم النيسابوري في المستدرك 3/109، 110.
3- الذهبي في تلخيص المستدرك، وتاريخ الإسلام 2/629.
4- الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح 10/464.
5- ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، ص 149 وقال: إن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن.
6- ابن عبد البر في الاستيعاب 3/3.
7- الهيثمي في مجمع الزوائد 9/104-108.
8- البوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة 9/194-196.
9- الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/1112، وسلسلته الصحيحة 4/343، وصحيح سنن ابن ماجة 1/26. وغيرهم.
10-13عَدَّه السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة)، ص 277 من الأحاديث المتواترة، وكذا الكتاني في (نظم المتناثر)، ص 206، والزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة)، ص 205، والحافظ شمس الدين الجزري في (أسنى المطالب)، ص 5، والألباني في سلسلته الصحيحة 4/343.
3- معنى الحديث:
المولى له معانٍ كثيرة، منها: الرَّب، والمالك، والسيِّد، والعبد، والمُنعم، والمنعَم عليه، والمُعتِق، والمُعتَق، والناصر، والمُحِب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والعقيد، والصِّهْر، والولي الذي يلي عليك أمرك. (راجع النهاية في غريب الحديث 5/228. لسان العرب 15/409. الصحاح 6/2529 القاموس المحيط، ص 1209 كلها مادة (ولي)).
قال ابن الأثير بعد تعداد المعاني المذكورة: وأكثرها قد جاء في الحديث، فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكل مَن ولِيَ أمراً أو قام به فهو مولاه ووَلِيّه. (النهاية في غريب الحديث 5/228. لسان العرب 15/410).
قال: وقول عمر لعلي: أصبحتَ مولى كل مؤمن أي ولِيّ كل مؤمن.
والمراد بالمولى في الحديث هو الولي، وهو القائم بالأمر الأولى بالتصرف.
ويدل على ذلك ما ورد في كثير من طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أيها الناس، ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. (سنن ابن ماجة 1/43 ح 116. صحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/26 ح 98. مسند أحمد بن حنبل 4/370. فضائل الصحابة 2/682. صحيح ابن حبان 15/375 ح 6913. المصنف لابن أبي شيبة 6/376 ح 32123. الأحاديث المختارة 2/173 ح 553. سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/331 قال: إسناده صحيح على شرط الشيخين. مجمع الزوائد 9/104 وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة. المعجم الكبير ح 5066، 5068، 5070، 5092. كتاب السنة لابن أبي عاصم ح 1361، 1367، 1369. خصائص أمير المؤمنين ح 82،84، 93. المستدرك 3/110 قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي. البداية والنهاية 7/359-363. مختصر إتحاف السادة المهرة ج 9 ح 7483، 7485، 7487، 7489 قال البوصيري في الأول: رواه إسحاق بسند صحيح).
4- وصف أمير المؤمنين عليه السلام بأنه ولي المؤمنين:
فقد جاء وَصْف أمير المؤمنين عليه السلام بالولي في أحاديث أخر، منها: ما أخرجه الترمذي في سننه، والنسائي في الخصائص، والحاكم في المستدرك، وأحمد في المسند، وابن حبان في صحيحه، والألباني في سلسلته الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما تريدون من علي؟ إن عليًّا مني وأنا منه، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي. (سنن الترمذي 5/632 ح 3712 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. خصائص أمير المؤمنين، ص 109 ح 89، 90. مسند أحمد بن حنبل 4/437، 5/356. فضائل الصحابة 2/605 ح 1035. مسند أبي داود الطيالسي، ص 111 ح 829. المصنف لابن أبي شيبة 6/375 ح 32112. صحيح ابن حبان 15/373 ح 6929. المستدرك 3/110 قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ولم يتعقبه الذهبي بشيء. حلية الأولياء 6/294. الكامل في ضعفاء الرجال 2/145. سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/261 ح 2223. البداية والنهاية 7/351، 356، 358. مختصر إتحاف السادة المهرة 9/170 ح 7410 قال البوصيري: رواه أبو داود الطيالسي بسند صحيح).
قال ابن الأثير في النهاية، وابن منظور في لسان العرب، والجوهري في الصحاح: كل من ولِيَ أمرَ واحدٍ فهو وَلِيّه.
ومنه يتضح أن معنى (ولِيُّ كل مؤمن بعدي) هو المتولِّي لأمور المؤمنين من بعدي، وهو معنى آخر للخليفة من بعدي، لأن الخلفاء هم ولاة أمور المسلمين.
وفي قوله صلى الله عليه وآله : (بعدي) دليل على أنه لا يريد بالولي المحب ولا الناصر والمنعِم ولا غيرها من المعاني، لأن المعاني الأخَر كالرَّب والمالك والعبد والمُعتِق والجار وابن العم والصِّهْر وغيرها لا تصح في المقام، وأما المحب والناصر والمنعِم عليه فهي غير مرادة أيضاً، لأن قوله صلى الله عليه وآله: (بعدي) دليل على أن المراد بلفظ (الولي) غير ذلك، لأن هذه الأمور كانت ثابتة لعلي عليه السلام حتى في زمان النبي صلى الله عليه وآله، فذِكر البعدية حينئذ لغو، فلا يصح أن يقال: علي مُحِبُّكم أو ناصركم أو منعِم عليكم من بعدي، لأنه عليه السلام كان كذلك في حياة النبي صلى الله عليه وآله.
ولوضوح هذا الحديث في الدلالة على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام أنكره ابن تيمية، وطعن في سنده ودلالته.
وقد أنكر عليه الألباني بعد أن حكم بصحة هذا الحديث، فقال: فمن العجيب حقاً أن يتجرأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة 4/104.
ثم قال: فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث، إلا التسرع والمبالغة في الرد على الشيعة. (سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/263 ح 2223).
وإذا كان القوم قد أنكروا دلالة هذا الحديث على الخلافة والولاية العامة، فهو غير مستغرب بعد إنكارهم للأحاديث الصحيحة الأخرى الدالة بوضوح على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.
منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي.(مسند أحمد بن حنبل 1/330 - 331. المستدرك 3/133 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي. المعجم الكبير للطبراني 12/99. مجمع الزوائد 9/119 قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين).
وعند البوصيري عن أبي يعلى، أنه صلى الله عليه وآله قال: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفة من بعدي. (إتحاف الخيرة المهرة 9/259 . مختصر إتحاف السادة المهرة 9/180).
وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست نبيًّا، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي. (كتاب السنة 2/551، قال الألباني في تعليقته: إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم بن بلج، قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ).
وفي موضع آخر قال: أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لستَ بنبي، وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي. (كتاب السنة 2/589 بنفس السند السابق في 2/551).
5- رد كلام ابن تيمية في الحديث:
قال في منهاج السنة: قوله: (هو ولي كل مؤمن بعدي) كذِبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن ولِيّه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي. (منهاج السنة 4/104).
والجواب: أما من ناحية سند الحديث فيكفي في اعتباره أن الترمذي حسَّنه في سننه، والحاكم صحَّحه في مستدركه، وابن حبان أخرجه في صحيحه، والألباني أورده في سلسلته الصحيحة.
قال الألباني بعد أن حكم بصحة هذا الحديث: فمن العجيب حقاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة 4/104.
ثم قال: فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث، إلا التسرع والمبالغة في الرد على الشيعة. (سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/263).
وأما من ناحية دلالة الحديث فهو واضح كما مرَّ، وأما قوله: (بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن)، فمراده أن المجيء بلفظ (بعدي) لغو، وهذا صحيح إذا كان المراد به المحب والناصر، فيكون أمير المؤمنين ولي كل مؤمن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعد وفاته. لكنا بيَّنَّا أن هذا المعنى غير مراد، لما ذكرناه وذكره هو من المحذور، وهو استلزام اللغوية في قوله: بعدي.
وقوله: (وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي) مردود بما سمعت من تصريح علماء اللغة بأن المولى والولي بمعنى واحد، وبأن كل من ولِيَ أمر واحدٍ فهو وَلِيّه، فيكون كل مَن وَلِيَ أمر المسلمين وَلِيَّهم، وتكون الولاية بمعنى الإمارة، فيصح أن يقال: (ولي كل مؤمن) بهذا المعنى.
وأما لزوم التعبير بـ (والي كل مؤمن) للدلالة على هذا المعنى فهو غير صحيح، وأهل اللغة يقولون: (فلان والي البلد)، فتضاف كلمة (والي) إلى البلد، ولا تضاف إلى المسلمين أو المؤمنين إلا من باب جواز الإضافة لأدنى ملابسة.