لماذا لا نعظم العظماء إلا بعد وفاتهم؟
قبل أيام قلائل فقدنا رجلا عظيما من رجالات هذا البلد الطيب، وهو الوجيه السعيد الحاج عبد الله بن سلمان المطرود تغمده الله بواسع رحمته.
لقد خرج الآلاف الكثيرة لتشييعه، فشيع تشييعاً عظيماً لم أشهد مثله في هذه البلاد، وبكاه الكثيرون، وأعول لفقده كل من عرفه أو رأى آثاره، أو سمع بذكره الطيب الذي شاع في الآفاق.
لقد حق لكل واحد من أبناء هذا البلد أن يبكي عليه دماً، وأن يندبه طويلاً، لأنه رجل امتلأت جوانبه بالمروءات والمكارم والأخلاق العالية، وكانت كل أعماله لله سبحانه.
لقد بذل هذا الرجل كل ما يملك من مال ووقت وجهد واهتمام وعناية ورعاية لأبناء بلده ولغيرهم، وحمل هموم الإنسان في كل مكان، من دون أن يمايز بين أحد.
كان رجلاً عظيماً في تفكيره، وفي خلقه، وفي سلوكه، وفي عطائه، وفي كل جوانبه.
ولكن هل رأى الناس جوانب عظمته حال حياته، أو تعاموا عنها؟
وهل عظمه الناس قبل موته بما هو واجب عليهم نحوه؟
لا شك في أن الإجابة على هذين السؤالين مع الأسف الشديد هي بالنفي لا بالإثبات، فالناس في بلدنا لا يعظمون العظماء حال حياتهم، ولا يرون جوانب العظمة فيهم إلا بعد موتهم، مع أن أولئك العظماء يعيشون بين ظهرانيهم، ويخالطونهم، وتظهر عظمتهم لهم، ولكنا قد أصبنا بداء يحلو لي أن أسميه: داء عشى العظماء، وهو داء يجعلنا لا نرى العظماء على حقيقتهم إلا بعد موتهم، كما يصاب بعضهم بالعشى الليلي، فلا يرى الألوان على واقعها إلا بعد بزوغ الصباح، فصباحنا الذي يجعلنا نرى جوانب العظمة في الناس لا يطلع إلا إذا مات الرجل العظيم فينا، فنبكيه حيث لا ينفع البكاء، ونندبه حيث لا تنفع الندبة.
إن هذه الظاهرة السيئة التي ابتلينا بها ينبغي أن نعالجها وأن نعمل على التخلص منها، لأن احترام العظماء وتقدير جهودهم في حياتهم، يفتق جوانب الإبداع فيهم، ويسهل سبل العمل الخلاق عندهم، كما أن الغض منهم والتعامي عن جليل أعمالهم يثبطهم ويأخذ من عزائمهم، مع ما في ذلك من الظلم القبيح لهؤلاء النخبة الذين منَّ الله بهم علينا، وجعلهم بركة ورحمة في بلادنا.