لبيك يا حسين
في كل عام يحيي المؤمنون مآتم سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في جميع أرجاء العالم، ويبذلون الجهود المضنية ليلاً ونهاراً من أجل إقامتها بالصورة التي تتحقق بها الفائدة المرجوة منها، وينفقون الأموال الطائلة في سبيلها، ويداومون على الحضور فيها، جزى الله الجميع خير جزاء العاملين المحسنين، وأدام الله علينا هذه النعمة العظيمة ونحن في أتم خير وعافية.
وخطباء المنبر الحسيني قاموا بمهمتهم خير قيام، وبذلوا جهدهم وطاقتهم، كثر الله من أمثالهم، ووفقهم لما يحبه ويرضاه.
ولعل كل أولئك الخطباء كانوا يكررون في مجالسهم أياماً متعددة نداء الإمام الحسين عليه السلام: (أما من ناصر ينصرنا، أما من مغيث يغيثنا، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله)، وكثيراً ما كان الخطباء والحاضرون يقولون: (لبيك يا حسين).
ولا أكتمك سراً إذا قلت لك: إنني لا أقول مع القائلين: (لبيك يا حسين)، لأنني أشعر بأنني لست أهلاً لأن أقول ذلك، ولست كفئاً لأن أكون ناصراً للحسين عليه السلام في محنته، فلماذا أدعي فضلاً لست أهلا له؟! ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
إن أنصار الإمام الحسين عليه السلام كانوا نخبة فريدة من كُمَّل البشر، ويكفي أن الإمام عليه السلام قال فيهم: إني لا أعلم أصحاباً ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أصحابي وأهل بيتي.
ومن الواضح للجميع أن نصرة الإمام الحسين عليه السلام لا تنال بالادعاءات المجردة التي لا يصدّقها الواقع المعاش، ولا تتحقق بالصيحات والشعارات الجوفاء، فليس كل من يدعي أنه ينصر الإمام الحسين عليه السلام ينصره لو أتيح له ذلك، فإن من السهل قول: (لبيك يا حسين) ما دام المرء بعيداً عن ساحات التضحية والفداء، ولكن من الصعب جداً قول هذه العبارة في المواقف الصعبة عند سماع قعقعة السيوف والرماح.
ربما يظن البعض أن الفرصة لنصرة الإمام الحسين عليه السلام قد فاتت، وأنها قد ظفر بها أولئك السعداء من الشهداء الذين تشرفوا بنصرة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وأنَّا الآن لا حظ لنا في نصرة الإمام الحسين عليه السلام، لأن الحسين عليه السلام قد قتل وانتهى الأمر، وجيش عمر بن سعد قد هلك، فلا موضوعية لنصرته عليه السلام في هذا الزمان.
ولكن هذا الفهم خاطئ جداً؛ لأن الذي قُتل في كربلاء هو شخص الإمام الحسين عليه السلام، وأما المبادئ التي قتل الإمام عليه السلام من أجلها فإنها لم تمت، وهي باقية إلى الأبد، وجيش عمر بن سعد وإن هلك جنوده الذين حاربوا الإمام الحسين عليه السلام، إلا أن ذلك الجيش بصفاته القذرة لا يزال باقياً يحارب مبادئ الإمام الحسين عليه السلام حرباً شعواء لا هوادة فيها.
إن هذه الحرب لم تنته بعد، وحتى هذه الساعة لم تضع تلك الحرب أوزارها، ونحن إذا كنا صادقين في قولنا: (لبيك يا حسين) فينبغي لنا أن نحارب مع الإمام الحسين عليه السلام لنحمي تلك المبادئ التي كانت في صدر الحسين عليه السلام، والتي داسها القوم بخيولهم لما داسوا صدر سيد الشهداء عليه السلام، ولا يزالون يدوسونها بكل خيولهم السياسية والاقتصادية والفكرية وغيرها.
إن الإمام الحسين عليه السلام لا يزال يقول: (أما من ناصر ينصرنا)، فإن صرخته عليه السلام لم تخبو ولم تمت رغم مرور أكثر من ألف وثلاثمائة عام على إطلاقها، إلا أن إمامنا عليه السلام لا يريد منا الاكتفاء بقول: (لبيك يا حسين)، وإنما يريد منا أن نجسد عقيدته، ومبادئه، وتعاليمه، وسيرته، وأخلاقه، والشعائر المقدسة التي كان يحييها قولاً وعملاً.
إذا كنا ندوس بأقدامنا مبادئ الإمام الحسين عليه السلام وتعاليمه وأخلاقه وسيرته فإننا في واقع حالنا قد انضممنا إلى جيش عمر بن سعد، وحاربنا الحسين وإن كنا نقول: (لبيك يا حسين)، لأن كثيراً ممن حاربوا الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء كانت قلوبهم معه، ولكن كانت سيوفهم عليه.
إن الفرق بين المنتمين إلى جيش الإمام الحسين عليه السلام وبين المنضمين إلى جيش عمر بن سعد كان واضحاً؛ لأن أنصار الحسين عليه السلام كانوا قد اتخذوا الإمام عليه السلام قدوة لهم، ولذلك كانوا يصدرون عن أمره، وينزجرون عند نهيه، فلهذا لا تجد فيهم خسة، ولا دناءة، ولا لؤماً، ولا جشعاً، ولا غدراً.. بل تميزوا بالصدق والوفاء والتضحية والفداء، فضحوا بأرواحهم في سبيل المبادئ الحقة، وأما جيش عمر بن سعد فكانوا جشعين، سراقاً، لئاماً، خسيسين، قد اتبعوا أهواءهم، فحاربوا الحق من أجل حفنة من الدراهم المسروقة، وبقول مختصر: إنهم قد جمعوا المساوئ والقبائح والرذائل.
فمن أراد أن يعرف أنه من أي الجيشين هو فلينظر إلى سلوكه وأعماله وأخلاقه، هل تشبه سلوك وأعمال وأخلاق أنصار الحسين عليه السلام؟ أو تشبه سلوك وأعمال جيش عمر بن سعد؟