متى يولد الإسلام من جديد في نفوسنا؟
لقد صارت مبادئ الإسلام وأخلاقه وأحكامه بعد زمن قصير من رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله مجهولة غريبة بين المسلمين، لا يعرفها الكثيرون، ولا يعملون بها، ومن عمل بها أنكروا عليه، وأعابوه، وعارضوه، أو منعوه.
واستمر الحال هكذا إلى عصرنا الحاضر، فلا تكاد تجد مبادئ الإسلام في أكثر أو كل المعاملات التي تحصل بين المسلمين، فإن كثيراً من المسلمين قد هجروا ما في الإسلام من تسامح وصدق وأمانة ورحمة ومودة وغيرها، واستبدلوها بالعنف والتكفير والإرهاب الجسدي والفكري والنفسي، وصار المسلم يَقتل المسلم لا لجرم أو جناية، وإنما بسبب الاختلاف في المذهب فقط.
ومما يحز في النفس أن المسلم قد فقد ثقته في أخيه المسلم، وصارت ثقته في المنتمين إلى الأديان الأخرى أكثر من ثقته في أخيه المسلم، ولأجل ذلك صار التعامل بين المسلمين مشوباً بالخوف والحذر، وصار كل واحد يخشى من الطرف الآخر أن يغشه، أو يسرقه، أو يخونه، أو يكذب عليه.
وقد نقل لي بعض أصدقائنا أن أحد النصارى جاء إلى أحد المسلمين فقال له: إن أخاك فلاناً قد أفسد أخي فلاناً. فقال له: كيف أفسده؟ قال: أدخله في الإسلام. فقال له: وهل تجد هذا إفساداً له؟ ألا ترى أنه أصلحه؟ قال: لا، لأن أخي لما كان نصرانياً كان لا يكذب، فلما أسلم صار يكذب.
وهذا أمر محزن جداً أن تنطبع صورة المسلم في أذهان غير المسلمين بهذه الصورة السيئة.
لقد صارت صورة المسلم في الغرب قبيحة جداً، فالمسلم عندهم هو عديم الأخلاق، الذي لا يتحاشى عن الإقدام على السرقة، والكذب، والغش، والخيانة، وقتل الأبرياء بأبشع الوسائل، وما شاكل ذلك من المساوئ التي يتبرأ منها الإسلام نفسه.
نحن نتمنى في مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله أن نحتفل بميلاد مبادئ الإسلام من جديد في نفوسنا، وأن يتحرك فينا الشعور الذي يحرك كياننا من الداخل، ويولد فينا الشعور بأن المسلم الحقيقي هو المتمسك بتعاليم الإسلام وبمبادئه، وأنه هو الذي سلم المسلمون من يده ولسانه، فغدوا منه آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
إن مولد رسول الله صلى الله عليه وآله كان في حقيقته مولداً لكل القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية العالية التي جسدها رسول الله صلى الله عليه وآله في كل أنماط سلوكه ومعاملاته، فاستحق صلى الله عليه وآله بجدارة أن يكون مثالاً للإنسان النموذجي في كل حركاته وسكناته، ولأجل ذلك جعله الله قدوة لنا، نحذو حذوه، ونتبع أثره، ونحاكيه في كل سلوكه.
إن مولد رسول الله صلى الله عليه وآله كان في واقعه مولد الرحمة والمحبة والعدل والمساواة، التي طبَّقها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى مع ألد أعدائه، الذين حاربوه وحاربوا أتباعه وأولياءه ومحبيه.
إن مولد رسول الله صلى الله عليه وآله كان مولد الدعوة الحقيقية إلى الله سبحانه، وإلى صراطه القويم ودينه المستقيم، تلك الدعوة الحقة التي كانت بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
كم نتمنى أن يمر مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله على المسلمين وقد وُلدت مبادئ الإسلام من جديد في نفوسهم ومشاعرهم، وفي سلوكهم ومعاملاتهم، وانطفأت نيران الحقد والشحناء والتدابر والتقاطع فيما بينهم، لنرى مبادئ الإسلام وقيمه قانوناً يعمل به المسلمون في كل شؤون حياتهم، ونظاماً يحترمه الجميع ويطبق على كل مسلم، من غير تمييز عرقي أو طائفي.
كم نتمنى أن نرى المسلمين كلهم بجميع طوائفهم ومذاهبهم أخوة متحابين كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضهم بعضاً، ويكونون يداً واحدة على أعدائهم الذين احتلوا مقدساتهم، واستنزفوا خيراتهم وطاقاتهم، وشغلوهم ببعضهم.
وكم نتمنى أن يطبق المسلمون عملياً مبادئ الإسلام وتعاليمه وقيمه كما طبقها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام، وعلماء الطائفة المحقة، والمؤمنون المخلصون، الذين حملوا مبادئ الإسلام، حتى صارت حية نابضة في سلوكهم ومشاعرهم وعقولهم، لكي تتجدد للإسلام في جميع ربوع الأرض صورته الناصعة المشرقة التي عمل على تشويهها الأعداء والأتباع.
نحن نتمنى في ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله أن تولد هذه الأمة من جديد؛ لتكون خير أمة بفكرها، وعقيدتها، وسلوكها، وبأخلاق أبنائها.