الحذر من الانجرار في الفتنة الطائفية
ببالغ الأسى والحزن تلقى المؤمنون في جميع أنحاء العالم خبر التفجير الثاني الذي استهدف مئذنتي حرم الإمامين العسكريين عليهما السلام في مدينة سامراء المقدسة ضحى يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1428هـ.
وما يحز في النفس ويبعث على المزيد من الأسى والتفجع أن يتكرر مثل هذا الاعتداء الأثيم على حرم الإمامين العسكريين عليهما السلام، من دون أن توفر الحكومة العراقية الحماية الكافية لهذه العتبات المقدسة، ولزوارها الذين انقطعوا عن الزيارة منذ مدة مديدة.
ومع أن حرم الإمامين العسكريين عليهما السلام قد بقى مغلقاً أمام زواره منذ التفجير الأول إلى هذا اليوم، وكان يتوقع من الحكومة العراقية أن تعيد تعميره كما وعدت بذلك، وأن تعمل على توفير الحماية له والأمن لزواره، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق.
وفي الوقت الذي يدين فيه المؤمنون هذا الاعتداء الجبان، ويتبرؤون من فاعليه، فإن مراجع الطائفة دام ظلهم الوارف قد نبَّهوا المؤمنين الكرام إلى أن الغرض من هذا التفجير هو تأجيج الفتنة الطائفية بين الشيعة وأهل السنة من أجل سفك المزيد من دماء الشعب العراقي، وزعزعة أمن البلاد، باستهداف الأماكن المقدسة للشيعة ولأهل السنة في العراق في آن واحد. وقد تقبل المؤمنون تعاليم المراجع العظام في النجف الأشرف وقم المقدسة، وأفشلوا مخططات المغرضين من أعداء الشيعة وأهل السنة التي تهدف إلى زج المنتمين إلى هاتين الطائفتين في أتون الفتنة الطائفية، وجرِّهم إلى إحداث الفوضى والبلبلة وإراقة المزيد من دماء الأبرياء من الجانبين.
وهذا الموقف الحكيم في حقيقته منسجم مع مواقف أئمة أهل البيت عليهم السلام عبر العصور الذين قابلوا جهل خصومهم بالحلم، وواجهوا العنف باللين، والكراهية بالمحبة، فاستطاعوا بذلك أن ينالوا إجلال كل المسلمين ومحبتهم، وأن يستقطبوا أعداءهم فضلاً عن أوليائهم.
إن الدعوة إلى الله تعالى إنما تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال جل وعلا (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125)، ولم يدع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى دين الله بالإرهاب، أو القتل، أو التهديد، أو الحرق والتدمير، وإنما كان يدعو قومه بالمثل الإسلامية العليا، وبالمبادئ السماوية الحقة.
وإذا كان الذي يهدف إليه هؤلاء المعتدون الذين انتهكوا حرمة الإمامين العسكريين عليهما السلام هو إزالة آثار الشرك بزعمهم، فإن الطريقة الصحيحة لا تكون بتفجير الحرم الشريف، لأن تفجيره بهذا النحو يقوي عزائم الشيعة على إعادة بنائه من جديد بنحو أفضل من السابق، وهدم آثار الشرك إن كان واجباً، فإن وجوبه يسقط عندما يترتب عليه حدوث الفتنة بين الشيعة وأهل السنة؛ لأن الشيعة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الاعتداءات المتكررة على مقدساتهم، ولعل بعض الشيعة يتجرأ على دماء الأبرياء من أهل السنة، أو تسول له نفسه أن يقابل أهل السنة بالمثل، فيفجر بعض مساجدهم، رغم تحذير ونهي مراجع الطائفة دام ظلهم الشريف عن الإقدام على مثل هذه الأعمال المحرَّمة.
هذا مضافاً إلى أن القيام بمثل هذه الأعمال الإرهابية يضعف سلطة الدولة القائمة في العراق، وهي الدولة التي اتفقت عليها جميع أطياف الشعب العراقي، ويزعزع أمن البلاد، ويثير الرعب في قلوب المدنيين العزل، مع ما فيه من إهانة إمامين من أئمة أهل البيت عليهم السلام، لأنه قد تسبب عن تفجير القبة الشريفة وقوع الحجارة والأخشاب والأتربة وغيرها على القبرين المقدسين.
ولعل من نافلة القول أن نذكر أن مسألة بناء الأضرحة على قبور الأولياء مسألة اختلف فيها علماء المذاهب الإسلامية، ولئن اعتبرها السلفيون مظهراً من مظاهر الشرك فإن غيرهم يعتبرونها مظهراً من مظاهر التوحيد، بلحاظ أن هذه الأضرحة المقدسة ما بُنيت إلا لأنها تضم بين جوانبها ولياً موحِّداُ، قد جسَّد التوحيد الكامل طول حياته قولاً وعملاً، كما جسَّد تعاليم الإسلام بسلوكه وأخلاقه. ولا ينبغي لمن يرى رأياً قد خالفه فيه علماء الطوائف الإسلامية أن يفرض عليهم رأيه بالمتفجرات والقتل ووسائل الإرهاب المحرمة.
ومن الواضح أن علماء السلفية لا يجوِّزون تفجير الأضرحة المبنية على قبور الأولياء بهذه الصورة التي حدثت في مدينة سامراء، ولهذا لا نجد منهم مطالبات للحكومة السعودية بإزالة القبة الخضراء المبنية على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم نجد من أفتى منهم بجواز تفجيرها في حال رفض الحكومة السعودية الاستجابة إلى مطالبهم. ولا أشك في أن من حدَّثته نفسه بوجوب إزالة القبة الخضراء المشرفة، فإن نفسه لا تحدثه بجواز تفجيرها وتجاوز سلطات الحكومة السعودية التي لا ترضى بذلك ولا تقبل به.
نسأل الله تعالى أن يرد هؤلاء الجهال المعتدين إلى رشدهم، وأن يبصِّرهم بضلالهم وغوايتهم، وأن يصلح ما فسد من أمور المسلمين، وأن يجمع كلمتهم على رضاه، إنه على ما يشاء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.