من يكسر الحاجز بين الشيعة وأهل السنة؟
إن أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام قد حثت شيعتهم ومواليهم على التودد لأهل السنة وعدم قطيعتهم، وأكدت على ضرورة التأدب معهم بآداب أهل البيت عليهم السلام مع غيرهم.
ففي صحيحة معاوية بن وهب، قال: قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون كما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم. (الكافي ٢/ ٦٣٦) .
وفي صحيحة زيد الشحام، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ على من ترى أنه يطيعني ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلى الله عليه وآله، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برًّا أو فاجراً، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدَّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: (هذا جعفري)، فيسرُّني ذلك، ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل: (هذا أدَبُ جعفر)، وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره، وقيل: هذا أدَبُ جعفر... (المصدر السابق).
وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾، ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصَلُّوا معهم في مساجدهم... (وسائل الشيعة ٥/ ٣٨٢ ).
وعن زيد الشحام عن الصادق عليه السلام قال: يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صَلُّوا في مساجدهم، وعُودوا مرضاهم، واشهدوا جنايزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً، ما كان أحسن ما يؤدِّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدِّب أصحابه. (من لا يحضره الفقيه 1/267).
وعن إسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قلت: نعم. قال: صلِّ معهم، فإن المصلّي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله. (تهذيب الأحكام 3/277).
وفي خبر آخر، قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله في الصف الأول. (من لا يحضره الفقيه 1/266).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تصب في هذا المصب.
ومع علم الكثير من الشيعة بهذه الأحاديث، ورغبتهم الصادقة في مخالطة أهل السنة من أبناء هذا الوطن خصوصاً، من أجل العمل معاً بما فيه المصلحة العامة للجميع، ومن أجل إزالة حالة الشحن الطائفي والتعبئة المذهبية الحاصلة بين الشيعة وأهل السنة، إلا أن حالة من التوجس تنتاب البعض عندما يفكر في الاقتراب من أهل السنة أو الاندماج معهم.
ومع أن المناسبات الرسمية وغيرها التي اقتضت اختلاط الشيعة مع أهل السنة كثيرة، وكثيراً ـ إن لم يكن دائما ـ ما يسودها جو من الألفة والاحترام المتبادل، إلا أن هذا الحاجز الذي تراكم عبر السنين لا يزال قوياً، ويحتاج إلى مبادرة جريئة من الطرفين لكسره.
إن الاحتقان الطائفي الذي حصل بين أتباع المذاهب السنية أنفسهم، أو بينهم وبين غيرهم من أتباع المذاهب الأخرى لم تكن له أسباب صحيحة، تبرر صدور بعض الفتاوى التي تحرم الزواج من المرأة الشافعية مثلاً، أو توجب على ولي الأمر بأن يأخذ الجزية من الشافعية أو من الحنابلة... أو ما شاكل هذه الفتاوى التي صارت موضع استهجان وتسخيف من قبل العلماء والمفكرين في العصر الحاضر.
ولعل من أهم أسباب الاحتقان الطائفي الذي حصل بين المذاهب الإسلامية هو عزلة كل طائفة وتقوقعها على نفسها، وعدم السعي الجاد والحثيث من قبل علماء كل طائفة لفتح قنوات اتصال بينهم وبين أتباع المذاهب الأخرى، مما سبب نشوء صورة مشوهة لكل مذهب عند المذاهب الأخرى، جعلت كل طائفة تشحن أتباعها ضد المنتمين إلى الطوائف الأخرى.
ولهذا تمس الحاجة إلى عقد لقاءات متواصلة واجتماعات دورية بين العلماء الذي حملوا على عواتقهم هموم الأمة وتحملوا آلامها، وتطلعوا إلى تحقيق آمالها، فإنها كفيلة بتوضيح صورة كل مذهب عند علماء المذاهب الأخرى، وتذويب الجليد المتراكم فيما بينهم، وخلق روح من الألفة والمحبة بين كل الطوائف، وبعث آمال الأمة التي انطمرت تحت أوحال الحقد والكراهية التي كانت تؤجَّج من قبل رجال لا نريد أن نصفهم إلا بأنهم مخطئون في نظراتهم، ونحن لو سلمنا بأنهم كانوا مصيبين عندما أصدروا تلك الفتاوى، إلا أن فتاواهم لا تصلح بالضرورة لكل عصر، ومصلحة الأمة تقتضي اليوم أن تتجاوز كل الطوائف عن خلافاتها الجزئية التي تستنزف طاقاتها، وتكثف جهودها لمواجهة الأخطار الكثيرة المحدقة بها، التي تستهدف أعظم مقدساتها، بالتكالب على الطعن في نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله، والقدح في شريعته السمحاء.
وأود أن ألفت النظر إلى أن الغاية من عقد تلك اللقاءات هي التعرف على الأطراف الأخرى، والنظر في القواسم المشتركة والتأكيد عليها، والغض عن نقاط الخلاف، وعدم جعل التنازل عنها شرطاً لعقد تلك الاجتماعات أو أساساً للتعاون مع باقي الطوائف في أي مشروع حتى لو كان يصب في مصلحة الأمة.
ولا نهدف من عقد تلك اللقاءات جعلها طريقاً للحوارات المذهبية التي ولج فيها غير أهلها من الجهال والمتعصبين الذين لا يعرفون آليات الحوار وآدابه. والحوارات التي وقعت في شبكة الإنترنت أو في بعض الفضائيات العربية لم تكن حوارات علمية هادفة، وإنما كانت وسيلة من وسائل تفريق الأمة، والشحن الطائفي، وطعن كل طائفة في مبادئ وركائز الطوائف الأخرى.
نسأل الله أن يجمع المسلمين على رضاه، وأن يجعلهم كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، أو كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، بالحمى والسهر.