لماذا استجاب الإمام الحسين (ع) لأهل الكوفة ؟
سئل سماحة الشيخ سؤالاً نصه :
لماذا استجاب الإمام الحسين [عليه السلام] لأهل الكوفة وأرسل إليهم سفيره مع علمه بحالهم وأنهم سوف ينقلبون ؟
وأجاب سماحته بالآتي :
يمكن الإجابة على هذا التساؤل بعدة إجابات:
1- أن الإمام الحسين عليه السلام لم يستجب إلى القوم مباشرة بعد وصول كتب أهل الكوفة إليه، وإنما أرسل إليهم سفيره الثقة الجليل ابن عمه: مسلم بن عقيل رضوان الله عليه لاستطلاع الأمر، والوقوف على حقيقة الحال، وأمره أن يكتب إليه بما يراه، فلما جاءه كتاب مسلم بن عقيل بأنه قد بايعه ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة، وحثه على القدوم توجَّه الإمام عليه السلام إلى الكوفة.
2- أن الأئمة عليهم السلام ـ ومنهم الإمام الحسين عليه السلام ـ إنما يتصرفون بحسب ظاهر الأحوال، لا بحسب علمهم بالواقع، ولذلك استجاب إليهم الإمام الحسين عليه السلام لما بايعوه على النصرة، وعاهدوه على الموت دونه، وعلمه عليه السلام بواقع الحال لا يجعله يترك ما يجب عليه ظاهراً.
3- أن الإمام الحسين عليه السلام لم يكن له مفر من الذهاب إلى الكوفة؛ لأن والي مكة وهو محمد بن سعيد الأشدق بعث عشرين رجلاً من جلاوزته لقتل الحسين عليه السلام، وقال لهم: (اقتلوا الحسين ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة)، فدار الأمر بين الذهاب إلى الكوفة التي فيها أنصار له عليه السلام رغم قلتهم، وبين الذهاب إلى بلاد أخرى لا أنصار له فيها، فكان الإمام الحسين عليه السلام مضطراً في خروجه من المدينة ومكة، كما قال الشاعر:
مثل ابن فاطمة يبيت مشرداً ويزيد في لذاته متنعم
ويضيق الدنيا على ابن محمد حتى تقاذفه الفضاء الأعظم
خرج الحسين من المدينة خائفاً كخروج موسى خائفاً يتكتم
وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم
لم يدر أين يريح بدن ركابه فكأنما المأوى عليه محرم
4- أن أهل الكوفة كتبوا إلى الإمام الحسين عليه السلام أنه قد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وإنما تقدم على جند لك مجند. وكتب إليه بعضهم أنه إذا لم تقدم إلينا فإنك آثم. وقد وصلت إلى الإمام الحسين مئات الكتب تحثه على القدوم إلى الكوفة، ولو كتب إليهم الإمام الحسين عليه السلام (أني أعلم أنكم لن تفوا بما جاءت به كتبكم، وأنكم ستنقلبون علي وتقاتلونني)، لما قبل ذلك منه أحد، ولكانت حجته ضعيفة وحجتهم في رفض بني أمية داحضة. فلأجل ذلك كان على الإمام الحسين عليه السلام أن يستجيب لهم ليتبين الصادق من الكاذب.