موضع قبر الإمام الحسين عليه السلام
تعقيباً على ما نشر في بعض الصحف في زاوية إجابات مهمة التي يشرف عليها الشيخ صالح بن سعد اللحيدان حول ما ذكره من الجواب عن قبر الإمام الحسين عليه السلام، حيث ذكر أن قبر الإمام الحسين عليه السلام يقع في خارج كربلاء بمسافة 30 ميلاً، والقبر الموجود الآن في كربلاء هو قبر مولى لزياد بن أبيه، اسمه: الحسين بن ياقوت الزنجي.
ولي على هذا الكلام عدة ملاحظات:
1- أن القبور إنما تُعرف لأصحابها بالشهرة من غير نكير من أحد، والمشهور المعروف بين الناس قديماً وحديثاً أن هذا القبر المعين في كربلاء هو قبر الإمام الحسين عليه السلام، وهذا كافٍ في إثبات ذلك، والشيخ اللحيدان لم يذكر لكلامه أي مصدر من كتب التاريخ والتراجم المعروفة المشهورة، وكان ينبغي له أن يدعم كلامه ولو بذكر مصدر واحد معتبر على الأقل، أو بالنقل عن واحد من المؤرخين أو أصحاب كتب التراجم والسير المشهورين، ولا سيما أن هذا الرأي يخالف ما هو مرتكز ومشهور عند الناس سنة وشيعة قديماً وحديثاً، وإذا جاز لنا أن نتبع هذه الطريقة التي سلكها الشيخ اللحيدان في هذا الموضوع فسنشكك في كثير من المعالم التاريخية المعروفة، سواء أكانت قبوراً أم غيرها.
2- أني بعد البحث والتتبع لم أعثر على أي مصدر يثبت هذا الرأي، ولم أجد من يشكك في أن القبر المعروف هو قبر الإمام الحسين عليه السلام، وبعد التتبع لاحظت أن الذين ذكروا قبر الإمام الحسين عليه السلام أرادوا به هذا القبر المعروف دون غيره، فلا أدري من أين جاء الشيخ اللحيدان برأيه؟ ومَن مِن العلماء يوافقه في هذا الرأي؟
3- لو أن القبر المعروف كان قبراً لمولى زياد بن أبيه لما كان هناك أي داع عند الناس لتردِّدهم على هذا القبر للزيارة، وبنائه والاعتناء بشأنه، بحيث صارت له هذه الشهرة العظيمة من دون أي سبب، ومن البعيد جداً أن يحصل الاشتباه عند الناس بين قبر الإمام الحسين وبين قبر مولى لزياد بن أبيه، أو أن يضيع قبر الإمام الحسين عليه السلام بحيث لا يعلم الناس قبره، ولا سيما أن قتل الإمام الحسين عليه السلام حرَّك مشاعر عموم المسلمين في ذلك الوقت ضد الحكم الأموي، فانتفض أهل المدينة المنورة ـ وفيهم كثير من الصحابة الأجلاء ـ وخلعوا بيعة يزيد بن معاوية، وخرج التوابون لطلب الثأر بدم الإمام الحسين عليه السلام، وثارت ثورات متعاقبة ضد الحكم الأموي بسبب ذلك.
4- أنه لم يُنقل عن واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام إنكار أن هذا القبر المعروف هو قبر الإمام الحسين عليه السلام، ولم ينكروا على شيعتهم زيارة هذا القبر والتردد عليه، وأهل البيت أعرف الناس بقبر جدهم الإمام الحسين عليه السلام، ولو كان هذا القبر قبراً لمولى زياد بن أبيه لبينوا ذلك للناس، وشددوا النكير على من يزور هذا القبر؛ لأن زياد بن أبيه كان من أعدائهم المناوئين لهم، وكل ذلك لم يحصل، مما يدل على أنهم يرون أن هذا القبر هو قبر جدهم الإمام الحسين عليه السلام، وهم أعرف من غيرهم به.
5- أنه من المعلوم أن هناك قبوراً أخر معروفة في تلك المنطقة من كربلاء، كقبر العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وقبور الشهداء الذين قتلوا مع الإمام الحسين عليه السلام، فلا ندري إلى من تنتسب تلك القبور بنظر الشيخ اللحيدان؟ هل وجود تلك القبور لا تسبب فتنة ولذلك نقلت رفات الإمام الحسين إلى خارج كربلاء دون هذه القبور؟ هذا غير مقبول بحال!!
6- أن تعليل الشيخ اللحيدان دفن الإمام الحسين عليه السلام خارج كربلاء بخوف الفتنة غير معقول؛ لأن الناس صاروا يترددون على هذا القبر المعروف على أنه قبر الإمام الحسين، ولو كانت السلطة القائمة في ذلك الوقت دفنت جسد الإمام الحسين خارج كربلاء خشية حصول الفتنة بهذا القبر، لأوضحت للناس أن هذا القبر هو قبر الحسين بن ياقوت الزنجي، لا قبر الإمام الحسين بن علي، ليمتنع الناس عن زيارة هذا القبر، وكل ذلك لم يحصل، مما يدل على أن هذا القبر هو قبر الإمام الحسين عليه السلام بالفعل، وأن الدولة الأموية لم تكن تستطيع أن تشكك فيه.
7- أني بحثت في كتب التراجم والسير، كسير أعلام النبلاء، وتهذيب التهذيب، وتهذيب الكمال، وغيرها من كتب التراجم المعروفة فلم أجد أي ذكر للحسين بن ياقوت الزنجي، لا من قريب ولا من بعيد، ومن المستبعد جداً أن يكون له هذا القبر الذي يتردد عليه آلاف الناس للزيارة قديماً وحديثاً ولا يكون له أي ذكر في كتب التراجم المشهورة.
8- أن الشيخ اللحيدان ذكر أن الإمام الحسين عليه السلام دُفن خارج كربلاء بمسافة 30 ميلاً، وهذا مع أنه لا مصدر له يوثقه، فإنه لا يُعرف للإمام الحسين قبر غير هذا القبر، وقبره هذا كان معروفاً منذ قتله في يوم عاشوراء سنة 61هـ، ولذلك ورد أن الرباب زوجة الإمام الحسين على قبره تندبه حولاً كاملا، ثم أنشدت:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ..... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
(الإصابة 1/74 في ترجمة امرئ القيس بن عدي).
وعسكر سليمان بن صرد الخزاعي زعيم التوابين عند قبر الإمام الحسين كما روى المؤرخون في كتبهم. قال الذهبي في تاريخ الإسلام في حوادث سنة 65هـ: ثم سار، وخرج معه كل مستميت، وانقطع عنه بشر كثير، فقال سليمان: ما أحب أن من تخلف عنكم معكم، وأتوا قبر الحسين فبكوا، وقاموا يوماً وليلة يصلون عليه ويستغفرون له، وقال سليمان: يا رب إنا قد خذلناه، فاغفر لنا، وتب علينا.
9- أن المؤرخين ذكروا أن هذا القبر هو قبر الإمام الحسين عليه السلام، وهو القبر الذي هدمه الخليفة العباسي المتوكل في سنة 236هـ.
قال الطبري: (وفيها) أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يُحرث، ويُبذر، ويُسقى موضع قبره، وأن يُمنع الناس من إتيانه، فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية: (من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق)، فهرب الناس، وامتنعوا من المصير إليه، وحُرث ذلك الموضع، وزُرع ما حواليه. (تاريخ الطبري 7/365).
وقال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام في حوادث سنة 237هـ: وفيها أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهدم ما حوله من الدور، وأن تعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته، وحُرث، وبقي صحراء، وكان معروفاً بالنصب، فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، دعبل، وغيره. وفي ذلك يقول يعقوب بن السكيت، وقيل هي للبسامي علي بن أحمد، وقد بقي إلى بعد الثلاثمائة:
بالله إن كانت أمية قد أتت ..... قتل ابن بنت نبيِّها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ... هذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا ... في قتله، فتتبعوه رميما
(وراجع البداية والنهاية 10/328، وتاريخ الخلفاء: 277 . ووفيات الأعيان 3/365).
ولو كان هذا القبر قبراً لمولى زياد بن أبيه لما تناطح لهدمه كبشان، ولما كان لهدمه أي أثر في نفوس المسلمين، وردة الفعل هذه تدل على أنه كان متسالماً بين المسلمين أن هذا القبر هو قبر الإمام الحسين عليه السلام.
10- أن الآثار الغريبة التي ذُكرت لهذا القبر تدل على أنه قبر الإمام الحسين عليه السلام لا قبر مولى زياد، فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير 3/128 عن الأعمش قال: خرى رجل من بني أسد على قبر حسين بن علي رضي الله عنه، قال: فأصاب أهل ذلك البيت خبل، وجنون، وجذام، ومرض، وفقر.
قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 9/197).
وفي كتاب المنتظم لابن الجوزي 5/346: سمعت جعفر الخلدي يقول: كان بي جرب عظيم، فتمسحت بتراب قبر الحسين، فغفوت فانتبهت وليس عليّ منه شيء.
11- أن ابن تيمية في مجموعة فتاواه 27/254 قد صرح بأن قبر الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، فإنه قال: وقد دفن بدن الحسين بمكان مصرعه بكربلاء ولم ينبش ولم يمثل به.
وقال في رد من يقول: (إن رأس الحسين في عسقلان): أنه لم يعرف قط أن أحداً لا من أهل السنة ولا من الشيعة كان ينتاب ناحية عسقلان لأجل رأس الحسين، ولا يزورونه ولا يأتونه ... فإذا كانت تلك البقاع لم يكن الناس ينتابونها ولا يقصدونها، وإنما كانوا ينتابون كربلاء لأن البدن هناك، كان هذا دليلا على أن الناس فيما مضى لم يكونوا يعرفون أن الرأس في شيء من هذه البقاع، ولكن الذي عرفوه واعتقدوه هو وجود البدن بكربلاء، حتى كانوا ينتابونه فى زمن أحمد وغيره، حتى أن في مسائله مسائل فيما يفعل عند قبره، ذكرها أبو بكر الخلال في جامعه الكبير في زيارة المشاهد.
12- أننا سمعنا مراراً وتكراراً رجال الحسبة القائمين على القبور في البقيع يجيبون من يسألهم عن قبر بقولهم: (الله أعلم، لا نعرف هذا القبر لمن، لأن أكثر هذه القبور قد مضى عليها ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة)، فإذا كانت قبور الصحابة في البقيع ضاعت معالمها، ولم تُعرف لمن، فهل من المعقول أن يبقى قبر مولى لزياد بن أبيه معروفاً، وهو رجل مجهول لم يكن له أي أثر أو فضيلة أو ذكر في كتب التراجم، وتندثر قبور من هم أجل منه شأناً وأعظم خطراً ممن كان لهم دور في تاريخ المسلمين؟!
من كل ذلك يتضح بجلاء عدم صحة ما ذكره الشيخ اللحيدان من أن قبر الإمام الحسين عليه السلام يقع في خارج كربلاء بمسافة 30 ميلاً، وأن القبر الموجود الآن في كربلاء هو قبر مولى لزياد بن أبيه، اسمه: الحسين بن ياقوت الزنجي، والحمد لله رب العالمين.