لماذا لم يلطم رسول الله (ص) عند المصائب؟
عندما يقترب شهر محرم الحرام يحلو لبعض المخالفين أن يثيروا بعض الأمور المتعلقة بواقعة كربلاء، كالبكاء، واللطم، وما شاكل ذلك.
ومما أثاره بعضهم قوله: لماذا لم يلطم النبي عندما مات ابنه إبراهيم ؟!
ولماذا لم يلطم علي رضي الله عنه عندما توفيت فاطمة رضي الله عنها؟!
ويمكن الجواب عن هذا الإشكال بعدة أمور:
1- أنا لا نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يلطم صدره على ابنه إبراهيم لما توفي، وكذلك لا نعلم بأن أمير المؤمنين لم يلطم صدره على سيدة نساء العالمين عليها السلام، وعدم رواية شيء من ذلك لا يعني عدم وقوعه، فعلى الخصم أن يثبت بدليل صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين لم يفعلا ذلك.
2- أنا لو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يلطم عند المصائب، فإن عدم صدور هذا الفعل منه لا يدل على حرمته؛ لأن الترك لا يدل على الحرمة بأي نحو من أنحاء الدلالة، وإنما أقصى ما يدل عليه هو أن الفعل المتروك ليس بواجب.
وكم من أمر لا يشك هذا المخالف في رجحانه، بل ربما حرص على فعله، وشدد في النكير على من يخالفه، مع أن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعله، ولم يفعله أحد من صحابته، مثل: إلزام الناس بإقفال دكاكينهم في أوقات الصلوات، وتوظيف رجال يقفون أمام شباك قبر النبي صلى الله عليه وآله، لمنع الناس من لمسه أو التبرك به. فكيف صار هذا العمل راجحاً مع أن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعله؟!
مع أن الشيعة لم يذهبوا إلى وجوب اللطم ليرد إشكال الخصم، وإنما ذهبوا إلى جوازه في مصائب أهل البيت عليهم السلام، والنبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين ، وغيرهما من أئمة أهل البيت عليهم السلام قد يتركون الجائز، ولا سيما إذا اقتضت المصلحة ذلك.
3- أن الشيعة لا يقولون بجواز اللطم على كل ميت مؤمن صالح، وإنما يقولون بجوازه في مصائب أهل البيت عليهم السلام بالخصوص، ولو سلمنا بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يلطم على ابنه إبراهيم فهذا لا يدل على عدم جواز اللطم على غيره من أئمة العترة النبوية الطاهرة.
4- أن اللطم بالنحو الذي يفعله الشيعة في هذا العصر لا يدل على الجزع عند المصائب، أو على الاعتراض على ما قضاه الله سبحانه وتعالى وحتمه، وإنما صار هذا اللطم شكلاً من أشكال التعبير عن محبة أهل البيت عليهم السلام، وموالاتهم، والحزن على مصابهم، شجب ما وقع عليهم من الظلم من قبل أعدائهم، كما صار الإضراب عن الطعام، والاعتصام في الجامعات وغيرهما طريقة للتعبير عن قضية من قضايا الساعة، ومن الواضح أن التعبير بهذا النحو لم يكن متعارفاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله ولا في زمان الأئمة الأطهار عليهم السلام ليرد إشكال المخالف بأن الأئمة عليهم السلام لم يلطموا على أحد من موتاهم.
5- أن عائشة وبعض الصحابيات لطمن على رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته كما روي ذلك عن عائشة في مسند الإمام أحمد، فإنها قالت: مات رسول الله بين سحري ونحري، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله قُبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألتدم مع النساء، وأضرب وجهي.
قال الألباني: وإسناده حسن. (إرواء الغليل 7/86).
ومعنى: «قمت ألتدم مع النساء» قمت ألطم وجهي.
قال الجوهري في الصحاح: ولَدَمَتِ المرأةُ وجهها: ضربته... والْتِدامُ النساء: ضربهُنَّ صدورهن في النِياحة.
وقال ابن منظور في لسان العرب: والتَدَمَ النساءُ: إِذا ضربْنَ وُجوهَهنّ في المآتم، واللَّدْمُ: الضرْبُ، والتِدامُ النساء من هذا، واللَّدْمُ واللّطْمُ واحدٌ، والالْتِدامُ الاضْطراب، والْتِدامُ النساء: ضَرْبهُنّ صُدورَهنّ ووجوهَهن في النِّياحة. (لسان العرب ).
وقول عائشة: «ألتدم مع النساء» ظاهر في أن بعض النساء الصحابيات كن يلطمن على رسول الله صلى الله عليه وآله؛ لأنه لا يمكن أن يقال: إن نساء الكفار كن يلطمن وجوههن أو صدورهن على رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي حديث آخر أن عمر بن الخطاب قال: أتاني عبد الله بن عمر وأنا في بعض حشوش المدينة، فقال: إن النبي طلق نساءه، قال عمر: فدخلت على حفصة وهي قائمة تلتدم، ونساء النبي قائمات يلتدمن، فقلت لها: أطلقك النبي ؟ لئن كان طلقك لا أكلمك أبداً، فانه قد كان طلقك فلم يراجعك إلا من أجلي... (كنز العمال ).