إيضاح حول حديث (الله سماكم بالرافضة)
ولإيضاح هذا الحديث نقول:
أولاً: هذا الحديث ضعيف السند، فإن في سنده رواته سهل بن زياد، وهو ضعيف على المشهور المنصور عند العلماء.
قال النجاشي: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي، كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وأخرجه من قم إلى الري، وكان يسكنها. رجال النجاشي 1/417.
وقال الشيخ الطوسي: سهل بن زياد الآدمي الرازي، يكنى أبا سعيد، ضعيف. الفهرست، ص 142.
وقال المحقق الخوئي: وقال النجاشي والشيخ في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى: واستثنى ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى في جملة ما استثناه روايته عن سهل بن زياد الآدمي، وتبعه على ذلك الصدوق وابن نوح، فلم يعتمدوا على رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن سهل بن زياد. وقال ابن الغضائري: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي: كان ضعيفاً جداً، فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري أخرجه من قم، وأظهر البراءة منه، ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه، ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل. معجم رجال الحديث 8/339.
وقال: وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً أو أنه لم تثبت وثاقته.المصدر السابق 8/340.
ومن جملة رواة هذا الخبر محمد بن سليمان، وهو محمد بن سليمان البصري الديلمي، وهو ضعيف أيضاً.
قال المحقق السيد الخوئي: ولا شك في انصراف محمد بن سليمان إلى البصري الديلمي، فإنه المعروف المشهور. معجم رجال الحديث 16/134.
قال النجاشي: محمد بن سليمان بن عبد الله الديلمي، ضعيف جداً، لا يُعوَّل عليه في شيء. رجال النجاشي 2/269.
وقال في ترجمة أبيه: سليمان بن عبد الله الديلمي أبو محمد... وقيل: كان غالياً كذَّاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يُعمل بما انفردا به من الرواية. نفس المصدر 1/412.
وقال الشيخ: له كتاب، يُرمى بالغلو. رجال الطوسي، ص 343.
وقال العلامة في رجاله: ضعيف جداً لا يعوَّل عليه في شيء. رجال العلامة، ص 255.
ومن جملة الرواة سليمان بن عبد الله الديلمي، وهو والد الراوي السابق، وقد مرَّ أيضاً تضعيفه، كما مر في كلام النجاشي آنفاً.
ثانياً: بعد الغض عن سند هذه الرواية نقول: إنها واردة في مدح الشيعة لا في ذمِّهم، ولا بأس أن أنقل لك الرواية كاملة كما رواها الكليني قدس سره في كتابه (الكافي)، وإليك نَصّها:
قال الكليني: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه أبو بصير وقد خَفِرَه النفَس، فلما أخذ مجلسه قال له أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد ما هذا النفَس العالي؟ فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله، كبر سني، ودق عظمي، واقترب أجلي، مع أنني لستُ أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي. فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد وإنك لتقول هذا؟! قال: جعلت فداك وكيف لا أقول هذا؟! فقال: يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم، ويستحيي من الكهول؟ قال: قلت: جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم الله الشباب أن يعذِّبهم، ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم. قال: قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لأهل التوحيد؟ قال: فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم. قال: قلت: جعلت فداك فإنا قد نُبِزْنا نبزاً ـ أي لقبونا بلقب ـ انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلتْ له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم. قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: الرافضة؟ قال: قلت: نعم. قال: لا والله ما هم سمَّوكم، ولكن الله سمَّاكم به، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلاً من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم، فلحقوا بموسى عليه السلام لما استبان لهم هداه، فسُمُّوا في عسكر موسى الرافضة، لأنهم رفضوا فرعون، وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة، وأشدَّهم حبًّا لموسى وهارون وذريتهما عليهما السلام، فأوحى الله عزَّ وجل إلى موسى عليه السلام: أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة، فإني قد سمَّيتهم به ونحلتهم إياه. فأثبت موسى عليه السلام الاسم لهم، ثم ذخر الله عزَّ وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة، وتشعبوا كل شعبة، فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله، وذهبتم حيث ذهبوا، واخترتم من اختار الله لكم، وأردتم من أراد الله، فأبشروا ثم أبشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبَّل من محسنكم، والمتجاوَز عن مسيئكم، من لم يأت الله عزَّ وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة، ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد فهل سررتُك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد إن لله عزَّ وجل ملائكة يُسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يُسقِط الريح الورق في أوان سقوطه، وذلك قوله عزَّ وجل ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾، استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد لقد ذكَركم الله في كتابه فقال ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾، إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا، وإنكم لم تبدِّلوا بنا غيرنا، ولو لم تفعلوا لعيَّركم الله كما عيَّرهم حيث يقول جل ذكره ﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾، والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد ﴿الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ﴾، والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه، فقال عزَّ وجل ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾، فنحن الذين يعلمون، وعدوّنا الذين لا يعلمون، وشيعتنا هم أولو الألباب، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد والله ما استثنى الله عزَّ وجل بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته، فقال في كتابه وقوله الحق ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ¤ إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللهُ﴾ يعني بذلك عليًّا عليه السلام وشيعته، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، والله ما أراد بهذا غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾، والله ما أراد بهذا إلا الأئمة عليهم السلام وشيعتهم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال ﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾، فرسول الله صلى الله عليه وآله في الآية النبيون، ونحن في هذا الموضع الصدِّيقون والشهداء، وأنتم الصالحون، فتسمَّوا بالصلاح كما سمَّاكم الله عزَّ وجل، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوِّكم في النار بقوله ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ ¤ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ﴾، والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس، وأنتم والله في الجنة تُحبرون، وفي النار تُطلبون. يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آية نزلت تذكر أهلها بِشَر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدوِّنا ومَن خالفنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس من ذلك براء، يا أبا محمد فهل سررتك؟ وفي رواية أخرى فقال: حسبي. الكافي 8/28.
فهذه الرواية كما يلاحظ القارئ كلها مسوقة لمدح الشيعة، ولبيان أن لفظ (الرافضة) لفظ شريف ادَّخره الله لأهل الحق، وأن المراد به الذين رفضوا الباطل واتّبعوا الحق.
لكن بعض المغرضين غير المنصفين لا ينقلون كل الرواية ، وإنما يبترون النص ليوهموا الغافلين أن الرواية مسوقة لذم الشيعة لا لمدحهم.