ميثاق التعايش الوطني بين السلب والإيجاب
سيكون حديثنا في عدة محاور:
المراد بميثاق التعايش بين السنة والشيعة، وأهميته:
ميثاق التعايش هو اتفاق يحصل بين الشيعة وأهل السنة، يلتزم بموجبه كل طرف بأن يتعايش مع الطرف الآخر، ويكون كل طرف آمن على نفسه، وماله، وعرضه من الطرف الآخر.
والتعايش بين الشيعة وأهل السنة ضرورة ملحة.
وينبغي لكل أطياف المجتمع السعودي العمل الجاد والدؤوب لتعزيز هذا التعايش، وتجاهل أصوات المتطرِّفين من الشيعة وأهل السنة، الذين يضعون العراقيل للحيلولة دون حصول هذه الضرورة الحياتية المهمة.
والتعايش حقيقة واقعة في المجتمع السعودي؛ لأن الدولة فرضت هذا التعايش في جميع المدن السعودية، وفي جميع مرافق الدولة، كالدوائر الحكومية، والجامعات وغيرها، فلا ضرورة تقتضي جعل ميثاق تعايش، لأن ميثاق التعايش لن يزيل الشحناء والكراهية التي يبثها المتطرفون، كما أنه لن يعزز الحب والتواصل بين الشيعة وأهل السنة.
والشيعة لا يحتاجون إلى ميثاق للتعايش بقدر ما يحتاجون إلى الحصول على حقوقهم كمواطنين، يدينون بالولاء لهذا الوطن، أسوة بغيرهم من أتباع المذاهب السنية.
الفرق بين التقريب بين المذاهب، والوحدة الإسلامية، والتعايش بين الشيعة وأهل السنة:
الوحدة والتقريب والتعايش ثلاثة ألفاظ تختلف في معناها اللغوي، إلا أن المراد بها هو العمل المشترك لتعزيز أواصر المحبة بين أتباع المذاهب الإسلامية، وعدم التمييز بينهم على أساس المذهب والمعتقد، واعتبار الجميع مسلمين يعيشون جميعاً تحت مظلة الإسلام، وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات.
وقد يظن البعض أن المراد بالتقريب بين المذاهب هو تقريب المعتقدات والأحكام، وتنازل كل طائفة عن بعض ثوابتها من أجل الوصول إلى حلول وسط، ولعل هذا الفهم أوهمه قولهم: (التقريب بين المذاهب)، مع أن المراد هو التقريب بين أتباع المذاهب، لا بين المذاهب نفسها.
ومن المعلوم أن كل طائفة لها خصائصها المذهبية، وأتباعها يلتزمون بأحكام الفقهية وأصول العقدية خاصة بهم، ولا يرضى أي فريق بالتنازل عن بعض ثوابته من أجل تحقيق بعض التقارب مع مسلمين آخرين.
الأسباب الداعية إلى رفض التعايش بين الشيعة وأهل السنة:
الذين يرفضون التعايش من أهل السنة، يعللون ذلك بأن هناك مسائل عالقة بين السنة والشيعة لا بد من حلها؛ ليتحقق التعايش بين الطائفتين، كمسألة سب الصحابة وغيرها، وما لم تحل هذه المسائل فلا معنى لطرح مسألة التعايش.
إلا أن ذلك مردود بأن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة متعمق الجذور منذ أكثر من 1400 سنة، وليس من السهل أن نوجد له حلولاً سريعة عبر ميثاق يتفق عليه بعض علماء الطرفين، كما أن بعض المسائل مرتبطة بعقيدة هذه الطائفة أو تلك، وليس من السهل أن تتخلي أي طائفة عن عقيدة درجت عليها أكثر من 1400 سنة، أو كانت عندها عليها أدلة صحيحة بنظرها، بغض النظر عن كون تلك الأدلة صحيحة بنظر الآخرين أو لا.
وعليه، فإن التعايش في وطننا الغالي ينبغي أن يكون بين جميع أبناء الوطن من دون أن تفرض أي فئة أو طائفة وصايتها على عقائد الآخرين، أو تحاسبهم عليها؛ لأن الوطن للجميع، وكل أبناء هذا الوطن سواء في الحقوق والواجبات بغض النظر عن صحة عقائدهم أو بطلانها.
ومسألة سب الصحابة أو تكفير بعضهم مسألة اجتهادية يجوز الاجتهاد فيها، وتكفير بعض الصحابة أمر مشترك بين الطوائف، فإن مشهور أهل السنة يذهبون إلى كفر والدي رسول الله (عبد الله بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب)، ويحكمون بأنهما من أهل النار، كما أنهم كفروا أجداد رسول الله كعبد المطلب وهاشم، وكفروا بعض أعمامه كأبي طالب، وذكروا أنه في ضحضاح من نار، بينما يرى الشيعة علو شأن هؤلاء عند الله تعالى فضلاً عن نجاتهم.
وإذا كان أهل السنة يعيبون على الشيعة أنهم يكفرون بعض الصحابة الأجلاء عند أهل السنة، فإن الشيعة يردون بالمثل، ويقولون: إن أهل السنة يكفرون بعض الأجلاء الذين دلَّ الدليل على إيمانهم ونجاتهم.
واللازم أن تترك هذه المسائل للاجتهاد ، وألا تؤخذ النتائج التي توصل إليها الآخرون بحساسية بالغة، باعتبار أن الطرف الآخر عنده أدلة على ما يذهب إليه في هذه المسائل، بغض النظر عن كون تلك الأدلة صحيحة أو لا، وبذلك تصنف هذه المسائل على أنها مسائل علمية يجوز فيها الخلاف، والخطأ فيها لا يستلزم كفراً، ولا يوجب هدر الحقوق المشتركة.
الأهداف المنشودة من طرح ميثاق للتعايش بين الشيعة وبين أهل السنة:
إن الغرض من طرح ميثاق التعايش بين الشيعة وأهل السنة إذا كان مجرد الإثارة الإعلامية فلا فائدة في مثل هذا الميثاق، وأما إذا كان المقصود الأساس هو تفعيل هذا الميثاق على أرض الواقع، وجعله حقيقة واقعة، كخطوة أولى لإعطاء كل طائفة حقوقها كاملة، سواء أكانت حقوقاً سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، فلا شك في أن أهمية مثل هذا الميثاق.
ولا بد أن ألفت النظر إلى أن ميثاق التعايش ينبغي أن يكون بين علماء الطوائف المختلفة ممثلاً بأعلى المستويات، وأن يكون تحت مظلة الدولة، ونحن لحد الآن لم نر من كبار علماء أهل السنة في هذه البلاد أي استعداد لعمل مثل هذا الميثاق، والذين عندهم استعداد لتوقيع مثل هذا الميثاق هم المشايخ الصغار الذين ليست عندهم مكتسبات يخشون فقدانها، وعمل الميثاق مع المشايخ الصغار لا قيمة له، ولا ينبغي أن نلهث في السعي إليه.
الحوارات المذهبية لا تتنافى مع دعوات التقريب أو التعايش بين الشيعة وأهل السنة:
التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية لا يعني إلغاء كل حوار علمي في المسائل الخلافية في الأصول والفروع، فلا محذور في عقد ندوات للحوار العلمي الهادف البعيد عن الإثارة والتشنج، والذي يراد به الوصول إلى الحق من جهة، والتعرف على الطرف الآخر من جهة أخرى، مع بعد المتحاورين على لغة التكفير والسباب والتسقيط، وألا ينطبع أي حوار بطابع المحاكمة لآراء الآخرين بهدف انتزاع الإقرار منهم بأنهم يذهبون إلى هذا الرأي أو ذاك، من أجل إثارة العامة ضدهم، أو التمهيد للحكم بكفرهم وخروجهم عن الإسلام.
أهمية عقد لقاءات بين علماء الشيعة في المنطقة وعلماء أهل السنة:
لا شك في أنه ينبغي فتح قنوات اتصال بين علماء الطوائف الإسلامية كخطوة أولى للتقريب بين أتباع المذاهب المختلفة أو كمقدمة لحصول التعايش المطلوب بين الشيعة وأهل السنة، ولعل أهم فوائد هذه اللقاءات هي:
- تعريف كل طائفة بمعتقدات وأحكام الطوائف الأخرى، من أجل إزالة اللبس الذي أحدثه تشويه كل طائفة لمعتقدات وأحكام خصومها.
- الوصول إلى قناعة بأن كل طائفة لها أدلتها في الأحكام والعقائد، بغض النظر عن صحة تلك الأدلة وفسادها.
- البحث عن المشتركات بين الطوائف المختلفة بدلا من التركيز على نقاط الخلاف.
لكن الأمر المهم الذي ينبغي التركيز عليه هو ألا تكون تلك الاجتماعات هي الهدف، وإنما تكون هي الخطوة الأولى لبث روح المحبة في الأتباع والمريدين، وجعل روح المحبة بين الطوائف هي الثقافة السائدة بين المسلمين.
هل ميثاق التعايش بين الشيعة وأهل السنة هو الطموح الأقصى الذي يهدف الشيعة إلى الوصول إليه:
إن ميثاق التعايش ليس هدف للشيعة حتى يسعوا إلى تحقيقه، وإنما الهدف هو حصول الطائفة الشيعية على حقوقها كاملة، وإلا فإن التعايش المبني على التمييز الطائفي موجود منذ أقدم العصور، والفتن الطائفية وإن حصلت بين المسلمين إلا أنها عادة ما تكون حالة طارئة، لا دائمة.
أهم بنود ميثاق التعايش المقترح:
إذا ما أريد أن يكون هناك ميثاق تعايش بين الشيعة وأهل السنة، فينبغي أن تكون أهم بنوده هي:
1- الإيمان بأن كل المذاهب الإسلامية تنضوي تحت لواء الإسلام.
2- أن كل المسلمين مع اختلاف طوائفهم متساوون في الحقوق والواجبات.
3- التعهد بإيقاف الاحتراب الطائفي والتعبئة المذهبية بين أتباع الطوائف المختلفة.
4- الاعتقاد بأن كل طائفة لها الحق في ممارسة طقوسها ومعتقداتها بكامل الحرية في الوطن الذي تنتمي إليه.
5- العمل على جعل التمييز الطائفي جريمة ينبذها المجتمع، وتنكرها العامة، ويعاقب عليها القانون.