مسجد إبراهيم الخليل (ع) ـ سيهات: حي النور ـ محافظة القطيف
روي عن رسول الله
أنه قال: أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. (الخصال: 51).
قوله
: «أخوف ما أخاف عليكم..» يعني أن هاتين الخصلتين أخطر شيء يُخاف منهما على المسلم؛ لما فيهما من المضار العظيمة والمفاسد الخطيرة.
1) اتباع الهوى:
قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) [القصص: 50].
لا يراد بالهوى المحذَّر عنه: ما يهواه الإنسان من الأمور المحللة، كالطعام المحلل، والمسكن المحلل، والنكاح المحلل وما شابه ذلك.
الهوى المحلل لا محذور فيه، بل هو مندوب إليه؛ لأنه يغني عن الوقوع في المحرَّمات ويكفي عن اقتحام المحظورات.
الهوى المحرَّم المحذَّر منه في الحديث هو الذي يفضي إلى اتباع الباطل، وترك الواجبات، وفعل المحرمات، بل كل هذه الأمور إنما هي بدافع اتباع الهوى لا غير.
أن اتباع الهوى، يصد عن قبول الحق، ولا تفيد معه كل الوسائل، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان:43].
أن كل من اتبع الباطل فقد اتبع هواه؛ لأن الباطل والهوى مقترنان، قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) [القصص: 50].
2) طول الأمل:
طول الأمل هو نسيان الموت، وتوقع طول البقاء في الدنيا.
أن طول الأمل يُنسي الآخرة، ويجعل صاحبه ممن يركنون إلى الدنيا، ويميلون إليها.
أن الواجب هو الموازنة بين متطلبات الدنيا، ومتطلبات الآخرة، وضرورة العمل للدنيا كالعمل للآخرة، فلا يترك المسلم ديناه لآخرته، ولا يترك آخرته لدنياه.
قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص: 77].
وعن أبي عبد الله قال: نعم العون الدنيا على الآخرة.
وعنه ، قال: ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه.
وروي عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم أنه قال: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. (من لا يحضره الفقيه 3/156).
من مساوئ طول الأمل أنه يمنع من الإنفاق خشية الوقوع في الفقر، ويصد عن الجهاد خشية الموت.
أن الذي لم يطل أمله خاف من ربه، وعمل لآخرته، وهذا يحثه على ترك كل الذنوب والمعاصي، والالتزام بالواجبات.
مما يصد الإنسان عن طول الأمل كثرة ذكر الموت مراراً في كل يوم، واستشعار الرغبة في لقاء الله تعالى.
أن من ابتلي بطول الأمل ربما يمني نفسه بالتوبة قبل موته، ولكنه ربما لا يوفق لذلك، ولهذا لم يوفق عمر بن سعد قائد الجيش الذي قتل الإمام الحسين من التوبة، مع أنه قال قبل ذلك:
فوالله ما أدري وأني لحائر **** أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي **** أم أرجع مأثوما بقتل حسين
حسين ابن عمي والحوادث جمة **** لعمري ولي في الري قرة عين
ألا إنما الدنيا بخير معجل **** فما عاقل باع الوجود بدين
وأن إله العرش يغفر زلتي **** ولو كنت فيها أظلم الثقلين
يقولون إن الله خالق جنة **** ونار وتعذيب وغل يدين
فإن صدقوا فيما يقولون أنني **** أتوب إلى الرحمان من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة **** وملك عظيم دائم الحجلين