اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام
وردني سؤال عبر موقعي في الانترنت من أحد الإخوة، نصّه:
السلام عليكم ورحمة الله
محبّكم من المغرب، أشتغل موظف، عمري 37 سنة، متزوّج، بعد رحلة بحث طويلة أريد أن أعلن انتمائي لمنهج العترة، الإسلام المحمدي الصحيح، وركوب سفينة النجاة.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
أهنئكم باتباع مذهب الحقّ، مذهب أهل البيت عليهم السلام أجمعين، وأغبطكم على رحلة البحث الموفّقة التي تكلّلت بما يضمن لكم الفوز بسعادة الدنيا والآخرة، والأخذ بقول النبي صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. (حسَّنه الترمذي، وصحَّحه ابن حجر العسقلاني، والحاكم النيسابوري، وشمس الدين الذهبي، والبغوي، والسيوطي، والألباني وغيرهم).
وأود أن ألفت نظركم الشريف إلى أن الانتماء إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام لا يحتاج إلى إعلان وإشهار، وإنما يكفيك أن تعتقد بمعتقدات أئمّة الهدى عليهم السلام، وأن تعبد الله على طبق الأحكام التي نقلوها عن جدِّهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فيكفيك أن تعتقد بالمعتقدات التي ذكرها الشيخ محمد رضا المظفر قدّس سرّه في كتابه (عقائد الإمامية)، وأن تعمل بالأحكام التي أفتى بها مراجع الطائفة العظام في كتاب (منهاج الصالحين) ونحوه، من دون حاجة إلى أي ضجيج أو صخب إعلامي، ربما يثير حفائظ الآخرين الذين قد يتحسّسون من أمثال هذه الأمور، بل ربما تتولّد لديهم ردَّات فعل قويّة تجاهك، ويتعمّدون الإساءة إليك، فيسعون في الإضرار بك بكامل جهدهم وبجميع طاقتهم.
ولهذا فإن الله تعالى مدح أقواماً بأنّهم كانوا يكتمون إيمانهم، فقال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 28].
نحن لا نقول بلزوم الكتمان في جميع الأحوال، ولكن نقول بلزومه بالنسبة إلى الأشخاص الذين يكون إعلانهم مثل هذا الأمر موقعاً لهم في الضرر العظيم والحرج الشديد، والله سبحانه لم يكلّف المؤمنين بما يوقعهم في المشقة والحرج، قال تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185]، وقال سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) [الحج: 78].
إن اتِّباع مذهب أهل البيت عليهم السلام يحتّم عليك نوعين من المسؤولية:
مسؤولية شخصية خاصة بك؛ لأن الواجب يحتّم عليك أن تعمل بالأحكام الشرعية التي نقلها أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن تكون شيعياً حقيقياً لهم عليهم السلام، تتبعهم ولا تحيد عنهم، ولا تنتمي إليهم بالاسم فقط، وإنما بالقول والعمل.
والمسؤولية الثانية مسؤولية عامة، تحتّم عليك أن تراعي أنك منتمٍ لأهل البيت عليهم السلام، وهذا يوجب عليك ألا تسيء إليهم عليهم السلام بسبب هذا الانتماء، فلا يصدر منك ما يتخذه أعداء مذهب أهل البيت سلام الله عليهم وسيلة للطعن فيهم، وذريعة للتشنيع على مذهبهم والإساءة إليهم، وقد أوصى إمامنا جعفر الصادق عليه السلام شيعته بقوله: (عليك بتقوى الله، والورع، والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً...) [الكافي 2/77].
أسأل الله لك التوفيق والتسديد في جميع أمورك، وأن يدفع عنك كل سوء وبلاء ومكروه، وأن يحفظك في نفسك وعيالك ومالك وما تحب، إنه قريب سميع مجيب، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.