أعمل في مجال مكافحة السرطان في لبنان تحت اسم "مؤسسة الرباب لمكافحة السرطان"، ومن أكثر الأمور التي تستعصي علينا هي التدخين بكافة أشكاله، فإنه يوجد المئات من الدراسات التي تربط مضار التدخين بالسرطان والموت حول العالم، ومنطقة الشرق الأوسط من أكثر البلدان المدخنة، وقد وجدت أن في الاستفتاءات لدى أغلب المراجع إحالة الأمر إلى المكلف بتشخيص الضرر، وهو أمر لا يمنعه أبداً رغم وجود هذا الضرر عند العقلاء، مما يجعل المكلف معذوراً شرعاً. إن هذه الآفة تقتل الآلاف حول العالم، ونناشدكم بمساعدتنا على الحد منها عبر توجيهاتكم وخطابكم لمنعها بالشكل الذي ترونه مناسباً. وأنا على استعداد لتقديم كل المستندات اللازمة لتأييد المدعى والضرر الذي يسببه التدخين. أسأل الله التوفيق لكم ودوام الصحة والعافية.
بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر غيرتكم على أبناء هذه الأمة، وحرصكم الشديد على العمل على ما فيه خيرهم ومصلحة أبدانهم، ونسأل الله أن يسددكم في مساعيكم الخيرة، وأن يأخذ بيدكم الكريمة لنفع الناس كافة، وأن يعينكم في ذلك، فإن خير الناس أنفعهم للناس.
وأما ما ذكرتموه من عظم ضرر التدخين، وأنه أحد الأسباب المؤدية للإصابة بمرض السرطان وغيره من الأمراض المميتة، فأنا لا أشك فيه، والبحوث العلمية والدراسات التي تذكر ذلك كثيرة، وهي منشورة في مواقع كثيرة في الإنترنت، ويمكن الوصول إليها بسهولة، ولكن ما دلت عليه الأدلة الصحيحة هو أن المحرَّم الذي لا يجوز تناوله هو ما كان مضراً ضرراً بالغاً لا يقدم عليه العقلاء بما هم عقلاء عادة، كتناول السم والمواد الكيمياوية الخطرة والعقاقير المميتة ونحوها مما يكون ضرره واضحاً وفعلياً.
وأما الضرر الذي يقدم عليه العقلاء عادة، لكونه ضرراً يسيراً جداً بنظرهم، ولأن ضرره الكثير ينشأ عادة من الاستمرار في تعاطيه الذي يسبب تراكم الضرر اليسير مع مرور الوقت، فإن الدليل لم يدل على حرمته، والتدخين من هذا النوع، لا من النوع الأول، ولهذا نرى أن الكثير من العقلاء يتناولونه، ولا يشعرون بالضرر الفعلي بعد تدخين السيجارة الواحدة في كل مرة.
ولو حكم الفقهاء بحرمة كل ما فيه ضرر ولو كان يسيراً لا يشعر به العقلاء إلا بعد الاستمرار في تناوله مدة مديدة، لكان عليهم أن يحرموا قيادة السيارة، والصعود فيها، والسفر بالطائرة، وتناول جميع الأشربة الغازية وكل المعلبات الغذائية، والإكثار من الأكل والنوم، وسيحرمون السهر، واستعمال الهواتف النقالة والكمبيوتر، وغير ذلك كثير مما لا يقول أحد بحرمته، وذلك لتوفر نفس الملاك الذي ذكرته في كل هذه الأمور، وهو أن فيها ضرراً لا يخفى على أحد، وإذا كان التدخين يحصد الآلاف من الناس حول العالم، فإن ما تحصده حوادث السيارات أكثر بأضعاف مضاعفة، فهل على الفقهاء أن يفتوا بحرمة استعمال السيارات؟
ولأجل ما بيّناه لم يفت أحد من فقهاء الشيعة فيما أعلم بحرمة التدخين إلا إذا وصل ضرره إلى حد لا يقدم عليه العقلاء، فحينئذ يكون محرماً، وهذا راجع إلى تشخيص كل مكلف للضرر الذي يلحقه من وراء التدخين، والله العالم.