س 1- ما هو تعريف الشرك؟
الجواب: الشرك تارة يكون شركا عملياً، وتارة يكون شركاً قلبيًّا.
أما الشرك العملي فهو صرف شيء من العبادة لغير الله تعالى، كما لو صلى لمخلوق، أو صام له، فإن الصلاة والصيام عبادتان لا ينبغي صرفهما إلا لله سبحانه، ومن فعل ذلك فقد أشرك، سواء اعتقد ألوهية المعبود أم لم يعتقد بها.
فأنت قلت: إن من صلى أو صام لمخلوق فقد أشرك سواء أعتقد ألوهيته أم لم يعتقد بألوهيته، فليتك توضح هل يدخل في ذلك من قال: «يا علي» أو «يا حسين» أو «يا مهدي أدركني وارزقني» أو «يا فاطمة أغيثيني».. سواء اعتقدوا ألوهيتهم أو لم يعتقدوا .. مع أني أظن أن الشيعة لا يؤلّهون آل البيت، ومع ذلك يدْعونهم كثيراً في نوائبهم .. وعلى هذا فهم واقعون في الشرك بحسب تعريفك، إذ أن الدعاء هو أجل العبادات، وهو أعظم من الصلاة والصيام كما يعرف جنابكم .. ومع ذلك وُجِّه الدعاء إلى مخلوقين.
أرجو أن تتقبل التعقيب بصدر رحب.
أن قول: «يا علي» أو «يا حسين» أو «يا مهدي أدركني» أو «يا فاطمة أغيثيني».. ليس عبادة، ولو كان قول هذا عبادة لكان قول الرجل لصاحبه: «يا زيد ساعدني»، وقول الولد لأبيه: «يا أبي أعطني مالاً»، وقول المرأة لزوجها: «يا فلان أحضر لي دواء»، ونحو ذلك عبادة أيضاً، مع أن جميع المسلمين بل جميع العقلاء أطبقوا على أن هذا ليس بعبادة، وأن قائل هذه الأمور ونحوها ليس بآثم، مع أنها لو كانت عبادة لكان آثماً قطعاً.
ودعاء شخص في النوائب والملمات لا يكون عبادة له، ولو كان عبادة لما جاز لأحد أن يستعين بأحد في شيء، ولما جاز لمن وقع في حفرة مثلاً أن يطلب من الناس مساعدته في الخروج منها، ولا لمن أصيب بمرض أن يذهب إلى الطبيب ويطلب منه مساعدته في الشفاء من مرضه، وهذا لا يقوله عاقل، فضلاً عن فاضل.
وأما قولك: «إن الدعاء هو أجل العبادات، وهو أعظم من الصلاة والصيام» فهو خلط واضح بين معنيين من معاني الدعاء، فإن الدعاء له معانٍ متعدّدة، ذكرها علماء اللغة:
أحدها: العبادة، كما في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف: 28]، أي يعبدون ربَّهم.
ثانيها: النداء، كقولنا: يا زيد، وكما في قوله تعالى: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء: 52]، أي يناديكم.
ثالثها: التسمية، كقولهم: «دعوتُ ابني زيداً»، أي أسميته بهذا الاسم، قال تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا) [ النور: 63].
رابعها: السؤال، كما في قوله تعالى: (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ) [البقرة: 68]، أي سَلْه.
خامسها: الطلب، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].
سادسها: الاستغاثة، كما في قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 40، 41]، أي هل تستغيثون بغير الله؟
وغير ذلك.
وعليه، فإذا كان الدعاء له عدة معان، والعبادة أحد تلك المعاني، فليس كلّ دعاء عبادة، وعليه، فقولنا: «يا علي» و«يا حسين» ونحوهما وإن اشتمل على نداء أو طلب حاجة، إلا أنه ليس بعبادة؛ لأنه ليس كل نداء أو طلب حاجة عبادة.
هذا مضافاً إلى أن معنى العبادة لا ينطبق على قولنا: «يا علي» و«يا حسين» ونحوهما، فإن أكثر علماء اللغة عرَّفوا العبادة بأنّها هي الطاعة. (راجع الصِّحاح للجوهري 2/503، والقاموس المحيط: 268، ولسان العرب 3/272 كلها مادة: عبد).
وحكى ابن منظور عن الزجَّاج أنّه قال: ومعنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع. (لسان العرب 3/273).
وكلاهما لا ينطبق على قولنا: «يا علي» و«يا حسين» ونحوهما، فإن من ينادي نبياً أو إماماً أو غيرهما ويطلب منه حاجة، فإنه بهذا النداء لم يطعه في شيء.
أضف إلى ذلك أنه تعريف بالأخص، فإن العبادة قد تكون طاعة، لكن ليس كل من أطاع شخصاً فقد عبده، ولهذا كانت طاعة الولد لأبيه في الخير ممدوحة، ولو كانت عبادة لكانت مذمومة من غير شك.
مضافاً إلى أن عبادة الأصنام لا طاعة فيها، رغم أنها عبادة لا يُختلف فيها.
ولو نظرنا إلى تعريف ابن تيمية للعبادة نجد أنه لا ينطبق على قولنا: «يا علي» و«يا حسين» ونحوهما، لأنه عرفها بأنّها العمل الذي خُلق العباد له، أي العمل الذي يُحصِّل كمالهم وصلاحهم، والذي به يكونون مرضيِّين محبوبين... (مجموعة الفتاوى 8/116، طبعة أخرى 8/190).
وقولنا: «يا علي» و«يا حسين» ونحوهما لم يخلق العباد له، ولا يكون العباد به مرضيّين محبوبين بنظر ابن تيمية وأتباعه، وعليه فلا يكون عبادة.
مع أن لازم هذا التعريف أنّه لا يصح إطلاق العبادة على عبادة الأصنام والشمس والقمر وغيرها؛ لأنّ العباد لم يُخلقوا لها، ولا يتحقَّق بها كمال الناس وصلاحهم، ولا يكونون بها مرضيّين محبوبين، ولا يترتّب عليها إلا فسادهم وهلاكهم، مع أنّ صحّة إطلاق العبادة عليها لا ينكرها أحد.
ثم إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرف العبادة بقوله: إنّ العبادة هي التوحيد؛ لأنّ الخصومة فيه. (التوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد: 9).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: «إن العبادة هي التوحيد»، أي: أنّ العبادة مبنيّة على التوحيد؛ فكلّ عبادة لا توحيد فيها ليست بعبادة، لا سيما أنّ بعض السلف فسَّروا قوله تعالى: (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ): إلا ليوحِّدون. (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 9/36).
قلت: على هذا فإن قول: «يا علي» و«يا حسين» ونحوهما ليس بعبادة؛ لأنه لا توحيد فيه بنظرهم.
والنتيجة: أن قول: «يا علي» و«يا حسين» ونحوهما لا ينطبق عليه تعريف العبادة الذي ذكروه، فلا يكون عبادة أصلاً، فكيف يكون شركاً؟ فإن الشرك هو صرف شيء من العبادة لغير الله تعالى.