مسائل الترف العلمي
كثيراً ما يُسأل العلماء وطلبة العلوم الدينية عن تفاصيل مرتبطة بالأمور الشخصية لصاحب الزمان عليه السلام، فيُسألون: هل هو متزوج أو لا؟ وهل عنده أبناء وبنات وأحفاد، أو لا؟ وأين يسكن؟ وهل صحيح ما يقال: إنه يسكن في الجزيرة الخضراء التي يظن بعض الناس أنها تقع في مثلث برمودا؟ ومن الذي سيتولى تجهيزه بعد موته، والصلاة عليه؟
أو يسألون عن حروبه سلام الله عليه، وأنه هل سيحارب خصومه بالسيف والأسلحة القديمة، أو سيحاربهم بالأسلحة الحديثة المتطورة؟ وهل سيستفيد صاحب الزمان عليه السلام من التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات وغيرها؟ وهل عنده تكنولوجيا متطورة تفوق التكنولوجيا التي نعرفها؟
وهذه الأسئلة وغيرها وإن كانت تنم عن حرص واهتمام بمعرفة كل التفاصيل المتعلقة بحياة الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وشخصيته، وهو أمر حسن، إلا أن الأهم منه أن يتزود المؤمن بثقافة صحيحة وراسخة ومعرفة بالأمور المهمة المتعلقة بصاحب الزمان عليه السلام، بحيث يستطيع إقامة الأدلة الصحيحة على ولادته، وإثبات وجوده في هذا الزمان، والتدليل على أنه عليه السلام إمام المسلمين وخليفتهم في هذا العصر، ويتمكن من دحض شبهات الخصوم التي تحاك حول طول عمر الإمام عليه السلام، وغيبته أكثر من ألف ومائة عام، وتوليه مهام الإمامة وهو صبي صغير، وغير ذلك مما ذكره خصوم الشيعة، وأجاب عنه علماء الطائفة قديماً وحديثاً في كتبهم ومصنفاتهم، وذلك لأنه لا يضر الجهل بالجوانب الشخصية في حياة الإمام صاحب الزمان عليه السلام، بخلاف معرفة إمامته عليه السلام في هذا العصر، فإنها واجبة لوجوب طاعته عليه السلام على كل واحد من المسلمين، وطاعته لا تتحقق من دون معرفته.
ويذكرني طرح مثل هذه المسائل بشريحة من الناس الذين لديهم ولع شديد بطرح المسائل الغريبة، أو المسائل التي يظنون أنها مبتكرة، وأنها لا تخطر على أذهان عامة الناس، مع أنها في حقيقتها لا تفيد في شيء، ولا تترتب عليها أي منفعة في الوقت الحاضر، ولا ينبغي إشغال النفس بالبحث فيها، وتضييع وقت العالم بها.
وأذكر أنني قرأت في كتاب (الأزهار الفرجية) للعلامة الجليل الشيخ فرج العمران رحمه الله قصة حدثت في منطقتنا، مفادها أن جماعة اختلفوا في أن الله تعالى هل خلق الدجاجة قبل البيضة، أو البيضة قبل الدجاجة؟ فاجتمع رأيهم على أن يسألوا عالم بلدهم، وكان الوقت ليلاً، فجاؤوا إليه وأزعجوه بطرق بابه في هذا الوقت المتأخر، فلما أجابهم لم يقبلوا قوله.
وحدثني أحد طلبة العلم أن رجلاً جاء إلى مجلس مرجع الشيعة آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره، فسأل السيد مرتضى الخلخالي رحمه الله عن الزواج بالجنية، هل يجوز أو لا يجوز؟ فقال له السيد: نحن إلى الآن لم نفرغ من مسائل الإنس، وأنت تسأل عن مسائل الجن؟
وسُئل أحد العلماء عن النثار الذي ألقي في زواج آدم وحواء عليهما السلام، ما هو؟ فأجاب بقوله: ذاك عرس ما حضرناه، فلا علم لنا بنثاره!!
وروى شيخنا المفيد أعلى الله مقامه في كتاب الإرشاد، ص 330 بسنده عن أبي الحكم قال: سمعت مشيختنا وعلماءنا يقولون: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال في خطبته: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة. فقام إليه رجل فقال: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر. فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألت عنه، وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملكاً يلعنك، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطاناً يستفزك، وإن في بيتك لسخلاً يقتل ابن رسول الله، وآية ذلك مصداق ما خبرتك به، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به، ولكن آية ذلك ما نبأت به عن لعنتك وسخلك الملعون.
ومن الواضح أن هذا الرجل كان يظن أن سؤاله لأمير المؤمنين عليه السلام كان سؤالاً محيِّراً، وهذا نوع آخر من الناس الذين عندهم ولع بطرح المسائل التي يظن سائلها أنها مسائل (تعجيزية)، وهي طريقة يحرص على ممارستها بعض أنصاف المثقفين، ولا سيما عندما يلتقون بواحد من العلماء أو طلبة العلم، فيحبون أن يسألوه المسائل التي لا يريدون بطرحها الفائدة العلمية، أو مذاكرة العلم، أو تصحيح المعلومات، أو التأكد منها، أو ما شاكل ذلك، وإنما يريدون شيئاً آخر لا ينفعهم، ولا ينفع غيرهم في شيء.
وكما أن العلم أمانة عظيمة يجب على العلماء باعتبارهم كفلاء أيتام آل محمد أن يؤدوها بصدق إلى عموم الشيعة الذين هم أيتام في زمان الغيبة، فكذلك يجب على عوام الشيعة أن يسألوا العلماء تفقهاً، وألا يسألوهم تع%