أيام الله تعالى
قال تعالى: ) وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ( [إبراهيم: 5].
لا شك في أن المراد بالتذكير هنا هو التنبيه، وغايته أن يكون في تذكر هذه الأيام فوائد وعبر ومنافع للناس، إذ أن التذكر ليس مطلوبا لذاته، وإنما هو مطلوب لما يستتبعه من الخير.
ونسبت بعض الأيام إلى الله تعالى لكونها أيام مهمة.
ç ويراد بأيام الله تعالى أحد أمور:
¡ القول الأول: الحوادث المهمة التي وقعت في أيام سابقة سواء أكان فيها نصر للإسلام وعز للدين، أو بلاء للمؤمنين. ويعبر عن الوقائع العظيمة بالأيام، باعتبار وقوع تلك الحوادث في تلك الأيام، ولهذا يقال: فلان بصير بأيام العرب.
ولهذا فإن كل يوم من الأيام التي وقعت فيها الحوادث العظيمة كيوم بدر وأحد وغيرها.
والمراد بالتذكير بهذه الأيام هو الحث على أن يتذكر المؤمن نعم الله تعالى على هذه الأمة، أو النقم التي أنزلها الله تعالى على الكافرين، أو ما أصاب المؤمنين الصابرين من البلاء والمحنة التي اجتازوها إلى ما هو أفضل وأحسن، وهذا يدعو المؤمن إلى شكر الله تعالى، واعتقاد أن الله تعالى يؤيّد المؤمنين بنصره، ويعزّهم بعزه.
وهذا يدعو المؤمن إلى شكر الله تعالى على سالف نعمه، وعلى الصبر على ما يحدث له من البلاء، ولهذا قال تعالى: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).
أي صبار يصبر على ما يصيبه من البلاء، ويصبر على طاعة الله واجتناب معصيته، ويكون شكورا أيضا لكل أنعمه التي أنعم الله بهاعليه وعلى سائر.
¡ القول الثاني: أن المراد بأيام الله تعالى هي الأيام التي وعد فيها المؤمنون بالحوادث العظيمة التي يكون فيها عز للإسلام.
وقد ورد في الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق قدس سره في كتاب الخصال وفي معاني الأخبار بسنده عن أبي جعفر الباقر أنه قال: أيام الله عز وجل ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكرة، ويوم القيامة.
فتذكر يوم القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف لئلا يصاب المؤمنون باليأس والإحباط إذا رأوا غربة الحق، وضعف المؤمنين، وعزة الكافرين، وانتشار الضلال والفساد، والانحراف، وما شاكل ذلك.
مضافا إلى أن ذلك يحث المؤمن على أن يصلح حاله، لئلا يأتي اليوم الذي يمثل فيه أمام محكمة العدل الإلهية التي ينتصف فيها للمظلوم من الظالم.
وأما يوم الكرة فهو يوم الرجعة الذي يرجع فيه من محض الإيمان محضا، ومن محض الكفر والنفاق محضا، فتكون الكرة على الكافرين، ويكون النصر للمؤمنين، وفي ذلك بيان أن الله تعالى تكفل بنصرة دينه، وأن الباطل مهما علا وانتشر فإنما هي جولة، فإن للباطل جولة، وللحق دولة. وفي ذلك تبصرة للمؤمنين لكي لا يتبعوا الباطل لقوة أهله، ويتركوا الحق لضعف أهله.
وأما تذكر يوم القيامة فقد ورد في آيات كثيرة في كتاب الله العزيز، كالحاقة، والقارعة وغير ذلك، وفي تذكر يوم القيامة ما يردع المؤمن عن المعاصي والآثام، و يحثه على الطاعة والاستقامة، لأنه سيحاسب مهما طال عمره، وتمادت به الأيام.
¡ القول الثالث: أن أيام الله تعالى هي الأيام التي أمر الناس بالعبادة فيها، كشهر رمضان المبارك، وشهر رجب، وشعبان المعظمين.
والغاية من التذكير بتلك الأيام إما عمل الواجبات فيها، كالصوم الواجب، أو عمل المستحبات فيها، لأنها أيام ينبغي أن يستغل الوقت فيها في طاعة الله تعالى وفي التقرب إليه.
ç وقد ورد في فضل التعبد في هذه الأشهر روايات كثيرة :
ww منها: عمرة رجب ، ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ما أفضل ما حج الناس؟ قال: عمرة في رجب، وحجة مفردة في عامها.
وهنا ينبغي أن أنبه على أنه ينبغي إتقان العمرة، ولا سيما الطهارة.
ww ومنها: صوم رجب وشعبان وشهر رمضان، فقد وردت فيه روايات كثيرة تحث عليه.
فقد ورد أنه من صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر.
عن أبي رمحة الحضرمي قال: سمعت جعفر بن محمد بن علي يقول: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين الرجبيون؟ فيقوم أناس تضيء وجوههم لأهل الجمع، على رؤوسهم تيجان الملك، مكللة بالدر والياقوت، مع كل واحد منهم ألف ملك عن يمينه، وألف ملك عن يساره، يقولون: هنيئاً لك كرامة الله عزَّ وجل يا عبد الله، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: عبادي وإمائي وعزتي وجلالي لأكرمن مثواكم، ولأجزلن عطاءكم، (عطاياكم) ولأوتينكم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونعم أجر العاملين، إنكم تطوَّعتم بالصوم لي في شهر عظمت حرمته، وأوجبت حقه، ملائكتي أدخلوا عبادي وإمائي الجنة. ثم قال جعفر بن محمد : هذا لمن صام من رجب شيئا ولو يوماً واحداً في أوله أو وسطه أو آخره.
ww ومنها: أعمال أم داود: وهي مذكورة في مفاتيح الجنان في أعمال شهر رجب، فراجعها هناك.
ww ومنها: زيارة الحسين عليه السلام في أول الشهر، وفي وسطه وفي آخره، وكذا زيارته عليه السلام في النصف من شعبان فإن فيها ثوابا عظيما.