الشعائر الحسينية
تعريف الشعيرة:
اختلف العلماء واللغويون في تعريف الشعيرة، فذهب الشهيد الثاني قدس سره في مسالك الأفهام 2/198 إلى أن الشعيرة هي العبادات التي يعبد الله تعالى بها.
وقال المقدس الأردبيلي قدس سره في زبدة البيان، ص 230: شعائر الله هي أعلام الشريعة التي شرعها الله، وإضافتها إلى اسم الله تعظيم لها.
واختلف اللغويون في الشعيرة على معان كثيرة، والذي رأيته هو أن الشعيرة تطلق على أربعة معان، هي:
1- الشعيرة تطلق على العبادات كالصلاة والصوم والحج وغيرها.
2- أن الشعيرة قد يراد بها أماكن العبادة، كالصفا والمروة وغيرها، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) [البقرة: 158].
3- تطلق الشعيرة على ما تتعلق به العبادة، مثل الهدي في الحج، فإن الله تعالى قال: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) [الحج: 36]، بلحاظ أن الهدي تتعلق به عبادة الذبح في الحج.
4- تطلق الشعائر على أعلام الدين التي يجب تعظيمها وتقديسها في الدين، كالمصحف، والمساجد، وقبور الأنبياء والأئمة وأضرحتهم ونحو ذلك.
وهنا لا بد أن ننبه على أن الشعيرة توقيفية أي أنها متلقاة من طريق الشارع المقدس، بأن ورد لها ذكر في الكتاب أو السنة، ولا يمكن استحداث شعيرة لم تكن؛ وكل شيء لم يرد فيه نص بخصوصه لا نحكم بشعاريته، إلا إذا كان مصداقاً لما ورد فيه نص، مثل المسجد المعين، الذي لم يرد فيه نص، يحكم بشعاريته لكونه فرداً من أفراد مساجد الله، أو بيوت الله تعالى التي هي من الشعائر، لما ورد من الأمر بتعظيمها، والنهي عن تنجيسها وتوهينها.
الفرق بين الشعيرة، والشعار:
الشعيرة أوضحناها فيما تقدم، وأما الشعار في اللغة فهو: ما ولي الجسد من الثياب. وشعار القوم في الحرب: علامتهم التي يعرف بها بعضهم بعضاً، سواء أكانت لباساً، أو راية، أو كلاماً، كما قيل في أن شعار المسلمين يوم بدر: «يا منصورُ أمت».
وإذا أضيف الشعار إلى جماعة أو قبيلة، مثل إضافته للشيعة فقيل: «شعار الشيعة»، أو هذا الأمر صار شعاراً للشيعة، أي صار علامة يُعرف بها الشيعي من غيره.
ولهذا صارت عدة أمور شعارات للشيعة، مثل الشهادة الثالثة، والتختم باليمين، وزيارة الأربعين، وصلاة إحدى وخمسين، وتسطيح القبور، وغير ذلك.
والشعار لا يشترط فيه أن يكون منصوصاً عليه؛ لأنه مجرد علامة تدل على الشيعة مثلاً وتميزهم، فلا محذور في استحداث شعار غير ديني للشيعة مثلاً أو لغيرهم.
والعجيب أن بعض علماء المخالفين اعترفوا بأن بعض المستحبات التي ثبت استحبابها عن رسول الله صارت شعاراً للشيعة، فأفتوا بحرمتها، أو بلزوم تجنبها؛ لأنها صارت شعاراً للشيعة، ولا يخفى عليكم أن هذا لعب بأحكام الله تعالى لاعتبارات غير صحيحة.
بيان جملة من الشعائر الحسينية:
§ من جملة الشعائر الحسينية:
(1) زيارة الحسين : والأحاديث الواردة في فضل زيارة الحسين والمروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بلغت حد التواتر، منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر ، قال: مروا شعيتنا بزيارة قبر الحسين ، فإن إتيانه يزيد الرزق، ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من الله. (تهذيب الأحكام 6/42).
وروى الكليني قدس سره في الكافي 4/589 بسنده عن حنان، عن أبيه قال: قال أبو عبد الله : يا سدير تزور قبر الحسين في كل يوم؟ قلت: جعلت فداك لا، قال: فما أجفاكم، قال: فتزورونه في كل جمعة؟ قلت: لا، قال: فتزورونه في كل شهر؟ قلت: لا، قال : فتزورونه في كل سنة ؟ قلت : قد يكون ذلك ، قال : يا سدير ما أجفاكم للحسين أما علمت أن لله عز وجل ألفي ألف ملك شعث غبر يبكون ويزورون لا يفترون وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين في كل جمعة خمس مرات، وفي كل يوم مرة؟ قلت: جعلت فداك إن بيننا وبينه فراسخ كثيرة! فقال لي: اصعد فوق سطحك، ثم تلتفت يمنة ويسرة، ثم ترفع رأسك إلى السماء، ثم انحُ نحو القبر، وتقول: «السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته»، تكتب لك زورة، والزورة حجة وعمرة، قال سدير: فربما فعلت في الشهر أكثر من عشرين مرة.
(2) البكاء على الحسين : والأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت في فضل البكاء على الإمام الحسين مستفيضة، منها: صحيحة الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. (كامل الزيارات: 207).
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر قال: كان علي بن الحسين يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين حتى تسيل على خديه بوأه الله بها غرفاً يسكنها أحقاباً. (وسائل الشيعة 10/391).
(3) الجزع على الحسين : وقد ورد في الندب على الجزع على الإمام الحسين روايات متعددة، منها: خبر علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله ، قال: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي ، فإنه فيه مأجور. (كامل الزيارات: 202).
(4) إنشاد الشعر في الحسين : والأحاديث في ذلك كثيرة، منها: خبر صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله قال: من أنشد في الحسين بيتاً من الشعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة، ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة، فلم يزل حتى قال: من أنشد في الحسين بيتا فبكى، وأظنه قال: أو تباكى فله الجنة. (ثواب الأعمال للصدوق: 84).
(5) المجالس الحسينية: وأول من أحياها هم أئمة أهل البيت ، فإن الشاعر أو المنشد كان يدخل على الإمام ، فيقول له: أنشدني شيئاً في الحسين؟ فينشده، فيبكي ، ويُبكي من حوله، حتى يسمع بكاء النساء من خلف الستر.
وقد وردت الروايات عنهم في الحث على الاجتماع لإحياء أمر أهل البيت، منها: خبر بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله ، قال: تجلسون وتتحدثون؟ قال: قلت: جعلت فداك نعم. قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحبوا أمرنا، إنه من ذكرنا وذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذبابة غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر. (ثواب الأعمال: 187).
هل الشعائر الحسينية من الفروع الفقهية، أو من جملة العقائد؟
أولاً: لا بد من التفريق بين الفروع الفقهية وبين العقيدة، والمائز الأساس بينهما هو أن الفروع الفقهية متعلقة بالعمل، وأما العقائد فمرتبطة بالقلب، وعليه، يتضح أن الشعائر الحسينية كما مر هي أعمال نقوم بها، لا أنها من جملة الاعتقادات، مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها، فإنها أعمال وواجبات يؤديها المؤمن، والاعتقاد بوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج لا يصيرها من جملة الاعتقادات، وإلا لكانت كل الأحكام الفقهية مسائل عقدية، وهذا لا يقوله أحد.
شدة الاهتمام بالشعائر الحسينية بالخصوص:
أن الأئمة عليهم السلام أكدوا على الاعتناء بالشعائر الحسينية في مناسبات عديدة خلال العام، ولنأخذ زيارة الإمام الحسين مثلا، فإنها تستحب في مناسبات كثيرة، منها ليلة الجمعة، ويوما العيدين، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، ويوم العشرين من صفر وهي زيارة الأربعين، وليلة النصف من شعبان، وأول يوم من رجب ووسطه، وآخره، وليلة القدر وغير ذلك كثير.
الغرض من التأكيد على الشعائر الحسينية:
1. تكريس الأهداف التي من أجلها نهض الإمام الحسين ، التي منها: عدم معونة الظالم، الإباء وعدم القبول بالذلة، التضحية في سبيل الله.
2. الدلالة على طرق للثواب العظيم والأجر الجزيل، فإن الشعائر الحسينية فيها ثواب عظيم كما مر بيانه في الأحاديث التي ذكرناها.
3. تعليم علوم أهل البيت: عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا يقول: رحم الله عبدا أحيا أمرنا. فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا.
4. توثيق الارتباط بأهل البيت عليهم السلام: فإن تلك الشعائر تحدث في خلال العام، وهذا يوثق الارتباط بين الشيعة وبين أهل البيت عليهم السلام، وقد ورد في حديث طويل عن أبي عبد الله ، أنه قال: إن الله تبارك وتعالى أطلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، و يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منا وإلينا. (الخصال: 635).