بمناسبة الأحداث الحاصلة في المنطقة
إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع، وأحكام تُبْتَدَع، يُخالَف فيها كتاب الله. (نهج البلاغة: 69).
وهذه الكلمة تدل بوضوح على أن منشأ الفتن هو اتباع الأهواء، وأن اتباع حكم الله تعالى ورسوله لا يؤدي بأي حال إلى وقوع الفتن.
وعليه، فإن كل فتنة تحصل لا بد أن تكون ناشئة من ابتداع أحكام، واتباع أهواء، يلبَّس بها على الناس، وتظهر بصورة الحق وهي ليست كذلك.
وبمناسبة الأحداث الجارية في المنطقة في هذه الأيام نجد أننا على وشك الوقوع في فتنة عظيمة لا نعرف نتائجها ولا عواقبها.
وهنا لا بد أن نتكلم في عدة أمور:
(1) الوظيفة الشرعية في وقت الفتنة:
1- منع وقوع الفتن: بإيضاح الحكم الشرعي الذي يجب على المكلف أن يعمل به، وبيان مضار المشاركة في الفتنة، والحيلولة دون وقوعها؛ لما يترتب عليها من الإخلال بالأمن، وسفك الدماء البريئة، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة.
2- عدم الدخول في الفتنة: لأن الدخول في الفتنة يسبب إذكاءها وتوسعها، وعدم إمكان السيطرة عليها بعد ذلك، ولا يأمن المشارك فيها من سفك دمه، أو هتك عرضه، أو ما شابه ذلك من المضار العظيمة، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: : كن في الفتنة كابن اللبون: لا ظهر فيُركب، ولا ضرع فيُحلب. (نهج البلاغة: 366).
3- معالجة الفتنة بالطرق الصحيحة: وذلك بالرجوع إلى ما يقوله العلماء الربانيون المخلصون، لمعرفة أسلم الطرق وأفضلها من أجل الخروج من الفتنة بأقل الخسائر، وعدم ترك زمام الأمور بيد الجهال، أو المغرضين، أو قليلي التجربة، أو مثيري الشغب.
(2) أسباب المشكلة القائمة:
إن المشكلة الحاصلة في المنطقة بين الدولة والشباب ناشئة من أمرين مهمين:
1- أن هؤلاء الشباب عانوا كثيراً من التمييز الطائفي، فلم يستطع كثير منهم أن يحصلوا على قبول في إحدى الجامعات المحلية، ولا على وظيفة تكفل لهم حياة كريمة، وهذا كله سبب شعور هؤلاء الشباب بالإحباط واليأس.
2- أن الدولة لم تستجب للمطالب التي تقدم بها الشيعة لتحسين أوضاعهم الإنسانية عبر القنوات الرسمية، وقد نشأ عن هذا شعور الشباب بعدم جدوى ذلك، وأن الطريق الأمثل في الوقت الحاضر لكي تستجيب الدولة لمطالبهم هو الخروج في مسيرات ومظاهرات.
(3) أهم المطالب التي يريدها الشيعة:
لا شك في أن الشيعة لا يريدون إسقاط النظام القائم في المملكة العربية السعودية، ولا يريدون زعزعة الأمن، ولا إسقاط هيبة الدولة في أعين المواطنين؛ لأن قوة الدولة هو صمام الأمان لكل مواطن في هذه البلاد.
وأهم مطلب يطالب به الشيعة هو منع التمييز الطائفي والمناطقي والقبلي الذي يمارس علانية في بعض الأحيان.
والشيعة يرون التمييز واضحاً في الوظائف، ومعاملة السجناء، وفي المحاكم التي لا محكمة شيعية، ولا قضاة شيعة فيها، وعدم قبول الشيعة في الكليات المهمة في الجامعات، وغير ذلك كثير.
ومتى لم يكن هناك قانون يجرَّم الطائفية ضد الشيعة، ويعاقب من يمارسها بعقوبة رادعة، فإن الطائفية ستمارس بسهولة، وستستمر معاناة الشيعة، وإن لم يكن هناك قانون في المملكة يدعم الطائفية.
(4) أساليب المطالبة بالحقوق:
لا شك أن المواطن له الحق في مطالبة المسؤولين بحقوقه إذا حصل تقصير في أدائها له، والمسؤولون لا ينهون الناس عن المطالبة بحقوقهم، ولا يمنعوهم عن ذلك، ولكن الكلام في الطريقة الصحيحة، والأسلوب الأمثل.
والشيعة عبر أربعين سنة ماضية طالبوا المسؤولين بحقوقهم حتى كلوا وملوا، ولم تتحقق لهم أي مطالب مهمة.
ونحن لا نشك في أن الدولة لا تريد إلجاء المواطنين إلى التعبير عن مطالبهم بالطرق التي لا ترتضيها، كالمسيرات والمظاهرات، إلا أن الاستمرار في تجاهل مطالبات الشيعة، وسلب حقوق الشيعة شيئاً فشيئاً ربما يؤدي إلى ذلك.
وبحسب ما حصل في الأسابيع الماضية فإن موقف الدولة كان حكيماً، كما أن موقف المتظاهرين كان سلميًّا، وحضاريًّا، وقد عبَّروا عن انتمائهم وولائهم لهذا الوطن برفع أعلام الدولة في مسيراتهم ومظاهراتهم.
(5) خطاب إلى المسؤولين في الدولة:
إن الشيعة لديهم مطالب عادلة، وقد طالبوا بها كثيراً عبر القنوات الرسمية، فإن رأى المسؤولون أنها فعلا مطالب عادلة، فالمأمول من الدولة هو سرعة الاستجابة لمطالب الشباب؛ لئلا يستفحل الأمر، ويتعقد، ويصبح الحل بعد ذلك متعسراً.
والشيعة لا يتَحدَّون الدولة، ولا يختبرون قوتها، وصبرها، ولا يريدون إضعاف هيبة الدولة، ولا إرغامها على الاستجابة لمطالبهم، ولكن يريدون منها الاستجابة لبعض مطالبهم، ووضع جدول زمني قصير الأمد لتحقيق مطالبهم الأخرى؛ لأن مثل ذلك سيحل المشكلة العالقة.
(6) خطاب إلى أبنائي الشباب:
ليعلم أبنائي الشباب أن الواجب على كل مكلف أن يعلم أن ما يقوم به صحيح، وأنه مستند إلى فتوى المرجع الأعلى، لكي يكون على بيِّنة من أمره، ولا سيما أن الخروج في المسيرات والمظاهرات يؤدي دائماً – بحسب المشاهدات الكثيرة – إلى سفك الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، والإخلال بالأمن، وهذه أمور عظيمة، لا ينبغي لمؤمن أن يتسبب فيها إلا بفتوى صريحة من المرجع الأعلى تجوز له فعل ذلك.
مضافاً على أن فعل مثل هذه الأمور هو في حقيقته تقرير لمصير الشيعة في المنطقة بدون أخذ مشورة كل الشيعة الساكنين في هذه البلاد، فهل يجوز لهؤلاء الشباب أن يقرروا مصير مئات الألوف من الشيعة بدون أخذ موافقتهم؟ ولا سيما أن تصرف هؤلاء الشباب سيلحق الضرر الكثير بكل الشيعة في المملكة بلا استثناء، وليست عندنا ضمانات بفعالية هذه المسيرات في الوقت الحاضر.
وأما مطالبات وجهاء المنطقة عبر السنين الكثيرة الماضية فإنها وإن لم تجد نفعاً، إلا أنها لم تضر الشيعة في شيء، وهؤلاء الإخوة بذلوا جهودهم مشكورين من دون أن يلحقوا بأبناء المنطقة أي سوء، بخلاف المطالبات عبر المسيرات والمظاهرات، فإن لها حكم آخر ينبغي أخذه من المرجع الأعلى للطائفة، وإلا فهو غير جائز قطعاً.
ولهذا أرجو من كل شاب أن يتريث، وأن يعيد حساباته، قبل أن يندم حيث لا ينفع الندم.