الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
(83 - 148هـ)
نسبه وولادته:
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . يكنى بأبي عبد الله، وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
وُلد بالمدينة المنورة في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة (إعلام الورى بأعلام الهدى: 266. راجع الكافي 1/472. الإرشاد 2/179).
وعاش مع جدّه الإمام زين العابدين اثنتي عشرة سنة، وتولى الإمامة وله من العمر واحد وثلاثون سنة، وكانت مدة إمامته أربعاً وثلاثين سنة.
عاصره من الملوك: سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد ين الوليد بن عبد الملك، وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية، ثم عاصره أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي المعروف بالسفاح، وتوفي في زمان ملك أبي جعفر المنصور العباسي بعد عشر سنين من ملكه.
علومه:
قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (قدس سره): كان أعلم أولاد رسول الله في زمانه بالاتفاق، وأنبههم ذِكْراً، وأعلاهم قدراً، وأعظمهم منزلة عند العامة والخاصة، ولم يُنقل عن أحد من سائر العلوم ما نُقل عنه، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل (إعلام الورى بأعلام الهدى: 276).
قلت: روى عنه الإمام مالك بن أنس، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وغيرهم.
وأما شيعته فإنهم انتسبوا إليه، وتمذهبوا بأقواله وفتاواه التي هي أقوال آبائه الطاهرين، فسُمّوا بالجعفرية، وقد رووا عنه علماً كثيراً في العقيدة، والفقه، والآداب، والسنن، والأخلاق، والتفسير، وغيرها.
أولاده:
له عشرة أولاد، هم: إسماعيل وعبد الله وأم فروة، وأمهم فاطمة بنت الحسين ابن الإمام زين العابدين ، والإمام موسى الكاظم، وهو أجل أبنائه والإمام من بعده، وإسحاق، وفاطمة، ومحمد، وأمهم حميدة البربرية، والعباس وعلي وأسماء.
بعض ما قيل في الثناء عليه:
قال الذهبي: جعفر بن محمد بن علي ابن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق، أحد السادة الأعلام.
وقال: مناقب هذا السيّد جمَّة (تذكرة الحفاظ 1/166).
وقال: أحد الأئمة الأعلام، بَرّ، صادق، كبير الشأن (ميزان الاعتدال 1/414).
وقال: وكانا - أي جعفر بن محمد وأبوه - من جلّة علماء المدينة (سير أعلام النبلاء 6/255).
وقال يحيى بن معين: جعفر ثقة، مأمون (ميزان الاعتدال 1/415).
وقال النسائي في الجرح والتعديل: ثقة (تهذيب التهذيب 2/89).
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: جعفر بن محمد ثقة لا يُسأل عن مثله (الجرح والتعديل 2/487).
وقال: سمعت أبا زرعة وسُئل عن جعفر بن محمد عن أبيه، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه، والعلاء عن أبيه: أيما أصح؟ قال: لا يُقرن جعفر إلى هؤلاء - يريد جعفر أرفع من هؤلاء في كل معنى (المصدر السابق).
وسُئِل الشافعي: كيف جعفر بن محمد عندك؟ فقال: ثقة (المصدر السابق).
وسئل أبو حنيفة: من أفقه من رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد (تهذيب الكمال 5/79، سير أعلام النبلاء 6/257).
وروى ابن عقدة بسنده عن حسن بن زياد، قال: سمعت أبا حنيفة، وسئل: من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور الحيرة، بعث إليّ، فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد، فهيِّئ له من مسائلك الصعاب. فهيأت له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر، وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر، فسلّمت وأذن لي، فجلست، ثم التفت إلى جعفر، فقال: يا أبا عبد الله، تعرف هذا ؟ قال: نعم، هذا أبو حنيفة. ثم أتبعها: قد أتانا. ثم قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله. فابتدأت أسأله، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة. ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟! ( سير أعلام النبلاء 6/257، تاريخ الإسلام: حوادث 141-160هـ، ص 89. تهذيب الكمال 5/79).
وذكر ابن حبّان الإمام جعفراً الصادق في الثقات وقال: كان من سادات أهل البيت فقهاً، وعلماً، وفضلاً، روى عنه الثوري، ومالك، وشعبة، والناس (الثقات 6/131).
وقال الشهرستاني: وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم (الملل والنحل 1/166).
وقال الساجي: كان صدوقاً، مأموناً، إذا حدَّث عنه الثقات فحديثه مستقيم (تهذيب التهذيب 2/89).
وقال عمرو بن أبي المقدام: كنتُ إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيّين (تهذيب التهذيب 2/88، منهاج السنة 2/124، تهذيب الكمال 5/78، تهذيب الأسماء واللغات 1/150).
وقال مالك: اختلفت إليه زماناً، فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مُصَلٍّ، وإما صائم، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته يحدِّث إلا على طهارة (تهذيب التهذيب 2/89).
وقال ابن تيمية: وجعفر الصادق من خيار أهل العلم والدين (منهاج السنة 2/123).
وقال ابن العماد الحنبلي في أحداث سنة 148 هـ من شذراته: وفيها توفي الإمام سلالة النبوة أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي... وكان سيّد بني هاشم في زمنه (شذرات الذهب 1/220).
وقال الذهبي: مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة؛ لسؤدده، وفضله، وعلمه، وشرفه ( تاريخ الإسلام: حوادث ووفيات سنة 141-160هـ، ص 93).
وقال في ردّه على يحيى بن سعيد القطان الذي ذكر أن في نفسه من جعفر شيئاً، ومجالد أحب إليه منه: هذه من زلقات يحيى القطان، بل أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفراً أوثق من مجالد، ولم يلتفتوا إلى قول يحيى (سير أعلام النبلاء 6/256).
وقال: قال أبو أحمد بن عدي: له حديث كثير عن أبيه عن جابر وعن آبائه، ونُسَخٌ لأهل البيت، وقد حدَّث عنه الأئمة، وهو من ثقات الناس كما قال ابن معين (نفس المصدر 6/257).
وقال ابن خلكان: وكان من سادات أهل البيت، ولُقِّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يُذكر (وفيات الأعيان 1/327).
وقال النووي: اتّفقوا على إمامته، وجلالته، وسيادته (تهذيب الأسماء واللغات 1/150).
وقال الشبراوي: أبو عبد الله، السادس من الأئمة، جعفر الصادق، ذو المناقب الكثيرة والفضائل الشهيرة، روى عنه الحديث أئمة كثيرون، مثل مالك بن أنس، وأبي حنيفة، ويحيى بن سعيد، وابن جريج، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم.
وقال: وغُرَر فضائله وشرفه على جبهات الأيام كاملة، وأندية المجد والعز بمفاخره ومآثره آهلة (الإتحاف بحب الأشراف: 146).
وفاته:
توفي في النصف من رجب سنة ثمان وأربعين ومائة، وله من العمر خمس وستون سنة، ودفن في البقيع مع أبيه وجده زين العابدين وعمه الإمام الحسن الزكي .
قال ابن خلكان: وتوفي في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر، وجدّه علي زين العابدين، وعم جدّه الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين، فللَّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه (وفيات الأعيان 1/327).