عقائد الشيعة الإمامية
وموافقتها للعقل والفطرة
إذا نظرنا إلى جميع المذاهب الإسلامية نجد أنها تتفق مع بعضها في الخطوط العامة للإسلام، في الجانب العقدي والجانب الفقهي، ولذلك كانت جميعا منضوية تحت لواء الإسلام، وبهذا التشابه الكبير صارت كلها مذاهب إسلامية، ولكن الخلاف فيما بينها إنما هو في التفريعات والتفاصيل، واختلافها في تلك التفاصيل كثير جدًّا، وهذا ما جعلها مذاهب مختلفة فيما بينها.
وإذا نظرنا مرة ثانية إلى تفاصيل تلك العقائد والأحكام نجد أن عقيدة الشيعة الإمامية عقيدة متينة لا تتعارض مع ظواهر القرآن الكريم، كما لا تتنافى مع حكم العقل والطبع، بخلاف عقائد باقي المذاهب الأخرى، فإن فيها ما لا يرتضيه العقل، وما لا يتناسب مع الطبع والفطرة.
وبإلمامة سريعة في عقائد الشيعة الإمامية يتضح للقارئ الكريم صحة ما قلناه.
عقيدة الشيعة في التوحيد والصفات:
يعتقد الشيعة الإمامية أن الله سبحانه هو المخصوص بالأزلية والقِدَم، وكل ما سواه مخلوق مُحدَث، وأنه تعالى واحد وليس بمركَّب؛ لأنه لو كان مركَّباً لاحتاج إلى أجزائه، ولكان مسبوقاً بها، فيكون حينئذ مُحدَثاً، كما أنه تعالى ليس بجسم، ولا جوهر، ولا عَرَض، ولا يحويه مكان، ولا يكون في جهة، وإلا لكان مُحدَثاً مخلوقاً، وليس له شبيه، ولا نظير، ولا نِدٌّ، ولا مثيل.
ويعتقدون أنه تعالى قادر على جميع المقدورات، وأنه لا يُعجزه شيء، وهو على كل شيء قدير، وأنه عَدْل حكيم لا يظلم أحداً، ولا يقع منه القبيح، ولا يفعل إلا لحكمة وغرض، ولولا ذلك لكان جاهلاً، أو محتاجاً، أو عاجزاً، أو عابِثاً، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
ويعتقدون أيضاً أنه تعالى لا يُرى، ولا يُدرَك بالحواس، لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103].
ويعتقدون أنه تعالى لا تصدر منه القبائح، فلا يمكن أن يعذِّب الأنبياء والمؤمنين على طاعتهم، ولا يثيب إبليس والعصاة على معاصيهم، كما أنه سبحانه لا يكلِّف الناس بما لا يطيقون، ولا يؤاخذهم بما لا يعلمون، ولا يعاقبهم على ما اضطروا إليه، وما أُكرهوا عليه.
وأما السلفية والحنابلة فقد جسّموا الإله سبحانه وشبهوه بخلقه، فاعتقدوا أن الله له وجه، ويدان، وأصابع، ورجلان، يضعهما في النار فتقول: «قَط قَط»، ويكون على صورة خاصّة، يراه الناس يوم القيامة، فلا يعرفونه إلا بكشف ساقه وسجود الأنبياء له، وأنه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، فينادي: «هل مِن مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داعٍ؟» حتى ينفجر الفجر.
وهم وإن نزّهوه سبحانه عن ظلم العباد إلا أنهم اعتقدوا بأمور لازمها نسبة الظلم إليه سبحانه، فإنهم زعموا أن الله يجوز عليه أن يعذِّب الأنبياء والمؤمنين، ويدخلهم النار، ويثيب العصاة والمنافقين وإبليس، ويدخلهم الجنة؛ لأنه لا يُسأل عما يفعل، وهم يُسأَلون.
عقيدة الشيعة في النبوة:
يعتقد الشيعة الإمامية أن أنبياء الله عامة ورسول الله خاصة معصومون عن الخطأ، والسهو، والمعصية: صغيرها وكبيرها، من أول أعمارهم إلى آخرها، قبل بعثتهم وبعدها، في الأحكام التي يبلِّغونها للناس وفي غيرها، ولولا ذلك لما حصل الوثوق بهم وبكلامهم، فتنتفي الفائدة من بعثتهم، ويعتقدون أنهم أيضاً منزَّهون عن كل ما يُنفِّر عنهم من الصفات الذميمة، والطباع السيئة، والأفعال القبيحة، وعن دناءة الآباء، وعهر الأمهات، كما أنهم ينزِّهون زوجات الأنبياء عن الفحش والفجور، وإن كانوا لا ينزّهونهن عن الكفر والفسق.
وأما أهل السنة فزعموا أن النبي سها في صلاته، فصلى الظهر ركعتين، وأنه غفل عن صلاة الفجر فنام عنها، وأنه كان يشك في نبوَّته في بداية بعثته حتى سأل عنها غيره، وأنه كلما تأخر عنه الوحي خاف أن ينزل الوحي على غيره ، وأنه كان يضرب مَن لا يستحق الضرب، ويسب ويلعن المسلمين بغير حق، وأنه كان يسمع المعازف مع أهله، وأنه سُحر ستة أشهر حتى إنه كان يخيَّل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وأنه كلما أبطأ عنه الوحي أراد مراراً أن يقتل نفسه، وأنه كان يخرج إلى المسجد للصلاة وعلى ثيابه أثر المني، وغير ذلك مما لا يليق بالشخص العادي الذي يعاب بشدة لو صدر منه شيء يسير من هذه القبائح.
عقيدة الشيعة في الإمامة:
إن الشيعة الإمامية قالوا بعصمة الأئمة، وبلزوم النصّ عليهم، وأنه يُشترط في إمام المسلمين أن يكون تقيًّا، حكيماً، عادلاً غير ظالم، بل يجب أن يكون أفضل أهل زمانه؛ لقبح تقديم المفضول على الفاضل، واشترطوا أيضاً نزاهة الإمام عن كل ما ينفِّر منه كما تقدَّم في النبي، وأن يكون إمام المسلمين أعلم الناس، فلا يحتاج أن يسأل غيره فيما ينتاب المسلمين من حوادث، وأن يكون طاهر المولد، فلا يكون ابن زنا، ولا مختلط النسب، ولا مَن يُعيَّر بأمّه أو بأبيه، ولا يكون متكالباً على الدنيا حريصاً عليها، عابثاً بالمال العام، يبعثره على لذاته، وشهواته.
وأما أهل السنة فصحَّحوا خلافة كل مَن بايعه الناس وإن كان فاسقاً فاجراً، أو منافقاً، أو ظالماً، سواء تولَّى أمور المسلمين بالشورى والاختيار، أم بالقهر والغلبة، أم بالوراثة، كما أنهم جوَّزوا خلافة مَن عبد الأصنام في سالف عمره، وشرب الخمر، ولاط، وزنا، ووأد البنات، وفعل كل أفعال الجاهلية. وقالوا: إن كل من بايعه الناس أو اجتمعوا عليه ولو قهراً فإن خلافته شرعية، فتجب طاعته، وتحرم مخالفته، وذهبوا إلى أنه لا يضر شيء بخلافة من تولى أمور المسلمين إلا أن يظهر منه كفر بواح، فلو زنا، ولاط، وشرب الخمر، وسفك الدماء، وصادر الأموال، وبعثر المال العام على شهواته ولذاته، ووالى الكفار، وصادر الحريات، وفعل كل محرَّم، فإن كل ذلك لا يبطل شرعية خلافته، ولا يسوِّغ للمسلمين مخالفته.
والخلاصة أن كل مَن كان منصفاً، واطّلع على المذاهب المختلفة بتأمّل ومعرفة وإنصاف يجد أن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الواجب الاتباع؛ لموافقته للأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة والعقل، وبُعْده عن البدع والأباطيل.
فتاوى غريبة لعلماء المذاهب الأخرى:
مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الخالص عن الأباطيل والخالي عن الغرائب في الأحكام الشرعية كما أنه خالص من الأباطيل في الأصول العقدية، ومن نظر في كتب أتباع المذاهب الأخرى يجد أنها مشتملة على كثير من الفتاوى الغريبة والأقوال العجيبة التي تعارض الكتاب والسنة، وتتنافى مع العقل والذوق.
ومن تلك الفتاوى:
فتوى أبي حنيفة بأن رجلاً لو تزوّج امرأة في مجلس، ثم طلّقها فيه قبل غيبته عنهم، ثم أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد، لحقه الولد، وكذا لو تزوّج رجل في المشرق بامرأة في المغرب، ثم مضت ستة أشهر، وأتت بولد، فإنه يلحق به؛ لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومضي مدة الحمل، وإن عُلم أنه لم يحصل منه الوطء. (المغني لابن قدامة 9/55).
وأفتى أيضاً بأنه لو تزوج رجلان بامرأتين، فغلط بهما عند الدخول، فزُفَّت كل واحدة إلى زوج الأخرى، فوطأها وحملت منه، لحق الولد بالزوج لا بالواطئ؛ لأن الولد للفراش. (المغني لابن قدامة 9/58 – 59).
وأفتى أيضاً بأن الرجل إذا استأجر المرأة للوطء، ولم يكن بينهما عَقْد نكاح، فليس ذلك بزنا، ولا حدّ فيه، والزنا عنده ما كان مطارفة [أي عن ميل وهوى ورغبة]، وأما ما كان فيه عطاء فليس بزنا. (المحلى 12/196).
وأفتى الإمام مالك بن أنس بجواز أكل الحشرات كالديدان، والصراصير، والخنافس، والفئران، والجراذين، والحرباء، والعضاء والحيّة حلال إذا ذُكِّيت. (المغني لابن قدامة 11/65. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: 251).
وأفتى مالك والشافعي بحِلِّية زواج الرجل من ابنته من الزنا، ومن أخته، وبنت ابنه، وبنت ابنته، وبنت أخيه وأخته من الزنا. (المغني لابن قدامة 7/485).
وذهب مالك إلى أن أقصى مدة الحمل سبع سنين، وذهب الإمام أحمد إلى أن أقصاها أربع سنين، فلو طلَّق الرجل امرأته أو مات عنها، فلم تنكح زوجاً آخر، ثم جاءت بولد بعد سبع سنين، أو بعد أربع سنين من الوفاة أو الطلاق، لحقه الولد، وانقضت العدة به. (المحلى 10/132. المغني لابن قدامة 9/117).
وهذه فتوى غريبة جدًّا، وهي مع مخالفتها للعلم والعادة، فإنها تسخف الإسلام في نظر غير المسلمين، مع ما يترتب عليها من المفاسد الخلقية والاجتماعية الكثيرة.
وأفتى مالك بأنه إذا ادَّعى اثنان ولداً فإن لم يكن لأحدهما بيِّنة، أو كان لكل منهما بيِّنة تعارض الأخرى، فهنا يُعرض على القافة [أي الذين يزعمون أنهم يعرفون النسب بالنظر إلى أعضاء المولود]، فإن ألحقه القافة بأحدهما لحق به، وإن ألحقوه بالاثنين لحق بهما، فيرثانه جميعاً ميراث أب واحد، ويرثهما ميراث ابن (المغني لابن قدامة 6/430)، وكذا لو ادَّعاه أكثر من اثنين، فألحقه القافة بهم. (المصدر السابق 6/432).
وبهذه الفتوى يمكن أن يكون للشخص الواحد أبوان أو ثلاثة آباء أو أكثر، ولا ندري إلى مَن ينتسب هذا المولود، فإن الانتساب إلى أكثر من واحد لا يتأتى.
وأفتى ابن حزم وداود الظاهري بأن الرجل الكبير البالغ له أن يرتضع من امرأة أجنبية، فيكون ابنها من الرضاعة، فيحل له بعد ذلك ما يحل لابنها من الرضاعة، وهذا الحكم يثبت له وإن كان المرتضع شيخاً، وهذا هو مذهب عائشة. (المحلى 10/202. وراجع بداية المجتهد 2/36)، وبه أفتى جملة من علماء أهل السنة المعاصرين كالشيخ محمد ناصر الدين الألباني وغيرهما.
وهذه الفتوى من غرائب الفتاوى وأشنعها، وقد قوبلت بسخط عام واستهجان كبير في هذه الأيام، عقيب تبني أحد شيوخ الجامع الأزهر لها.
وأفتى المالكيون بحلية أكل لحوم السباع، ومن ضمنها الكلاب والسنانير. (المحلى 6/70).
وأفتى محمد بن الحسن الشيباني ـ تلميذ أبي حنيفة ـ بأن ما أسكر كثيرُه مما عدا الخمر مكروه، وليس بحرام. (المحلى 6/194).
وبهذه الفتوى يتمكن المسلم من السُّكر من دون أن تطاله يد العقوبة والمؤاخذة.
وأفتى عطاء ومجاهد ومكحول والأوزاعي والليث بأنه لو ذبح النصارى لكنائسهم، أو ذبحوا على اسم المسيح أو الصليب، أو أسماء من مضى من أحبارهم ورهبانهم، فذبيحتهم لا يحرم الأكل منها. (اقتضاء الصراط المستقيم: 254).
وأفتى ابن حزم بجواز الاستمناء، ونقل الفتوى بذلك عن الحسن البصري، وعمرو بن دينار، وزياد بن أبي العلاء، ومجاهد. (المحلى 12/407-408).
وقال ابن حزم: أباح الأحناف لمن طالت يده من الفسَّاق أو قصُرت أن يأتي إلى زوج أي امرأة عشقها، فيضربه بالسوط على ظهره حتى ينطق بطلاقها مكرهاً، فإذا اعتدَّت المرأة أكرهها الفاسق على أن تتزوّجه بالسياط أيضاً، حتى تنطق بالقبول مكرهة، فيكون ذلك عندهم نكاحاً طيّباً، وزواجاً مباركاً، ووطئاً حلالاً، يُتقرَّب به إلى الله تعالى. (المحلى 12/417).
وأفتى ابن تيمية أن إنشاء السفر لزيارة النبي غير جائز، ويُعد معصية، وقد وصف زيارته بأنها غير واجبة باتفاق المسلمين، بل ولم يشرع السفر إليها، بل هو منهي عنه. (قاعدة جليلة في التوسّل والوسيلة: 73، اقتضاء الصراط المستقيم: 430).
وأفتى محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح بأن لبن البهيمة ينشر الحرمة، فلو شرب اثنان أو أكثر من لبن شاة واحدة صاروا إخوة أو أخوات من الرضاعة (المبسوط 30/297).
وبهذه الفتوى يتعسَّر على الرجل أن يتزوَّج من أي امرأة؛ لاحتمال كونها أختاً له من الرضاعة، ولا سيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه شركات الألبان الجاهزة.
وهناك فتاوى غريبة وأقوال عجيبة غير ما ذكرناه صدرت من كبار علماء الطوائف الأخرى، وهي كثيرة، لو تتبَّعناها لطال بنا المقام.
ومع كثرة أمثال هذه الفتاوى عند أتباع الطوائف الأخرى، إلا أنك لا تجد هذا النوع من الفتاوى عند أئمة أهل البيت ، أو عند علماء الشيعة الإمامية بحمد الله ونعمته.