قال بعض علمائنا الأخباريين رضوان الله عليهم بأن القرآن الموجود بين أيدينا قد أُنقص منه، ولم يُزد فيه شيء، ومن هؤلاء: السيد نعمة الله الجزائري، والفيض الكاشاني، وأبي الحسن العاملي، والميرزا حسين النوري الطبرسي، وغيرهم.
ولكن لا بد أن نبين هنا أن هؤلاء يقولون: إن القرآن الموجود بين أيدينا ليس هو كل ما أُنزل على رسول الله ، وإنما أنقص منه بعضه.
وهذا هو القول المعروف عند أهل السنة، فإنهم ذهبوا ذلك، وعندهم أحاديث كثيرة في صحاحهم دلت على أن القرآن قد أنقص منه.
منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه 2/726 وغيره عن أبي الأسود، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قرَّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرَّاؤهم، فاتلوه ولا يطولَنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنا نقرأ سورة، كنا نشبِّهها في الطول والشدة ببراءة، فأُنسيتها غير أني حفظت منها: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب». وكنا نقرأ سورة كنا نشبّهها بإحدى المسبِّحات فأُنسيتها، غير أني حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، فتُكتب شهادةً في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة».
ومنها: ما أخرجه البخاري 8/208 - 209 ومسلم 3/1317 - واللفظ له - وغيرهما، عن عبد الله بن عباس، قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله : إن الله قد بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجْم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجَم رسول الله ورجَمْنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: «ما نجد الرجم في كتاب الله»، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله...
ومنها: ما أخرجه الترمذي ـ واللفظ له ـ والحاكم وغيرهما عن أُبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن الله أمرني أن أقرأ عليك. فقرأ عليه: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)، فقرأ فيها: «إنَّ ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية، مَن يعمل خيراً فلن يكفره». وقرأ عليه: «ولو أن لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له ثانياً لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب».
(سنن الترمذي 5/665، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. المستدرك 2/224، 531، وقال الحاكم في الموضعين: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي).
وأحاديثهم الصحيحة الدالة على تحريف القرآن كثيرة جدًّا، لا حاجة لاستقصائها.
إلا أن الفرق بين هؤلاء وأولئك، أن النوري الطبرسي والسيد نعمة الله الجزائري والفيض الكاشاني قدس الله أسرارهم وغيرهم، أسموا ذلك تحريفاً، وأما علماء أهل السنة فإنهم لم يسمّوه تحريفاً، وإنما أسموه (نسخ تلاوة)، وإلا فإنهم جميعاً متفقون على لحوق النقص بكتاب الله العزيز، فالاختلاف بينهم إنما هو في التسمية فقط، دون النتيجة، والله العالم.