فما جوابكم على ذلك؟
1- أن هذا الحديث منقول عن كتاب زيد النرسي، وفي صحة هذا الكتاب واعتباره كلام.
قال السيد الخوئي قدس سره بعد أن ذكر رواية منقولة عن كتاب زيد النرسي: والصحيح أن الرواية غير صالحة للاستدلال بها على هذا المدّعى، ولا لأن يؤتى بها مؤيّدة للتفصيل المتقدّم نقله؛ وذلك لضعف سندها، فإن زيداً النرسي لم يوثقه أرباب الرجال، ولم ينصّوا في حقه بقدح ولا بمدح. على أنا لو أغمضنا عن ذلك - وبنينا على جواز الاعتماد على روايته، نظراً إلى أن الراوي عن زيد النرسي هو ابن أبي عمير، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فأيضاً لا يمكننا الاعتماد على روايته هذه؛ إذ لم تثبت صحة أصله وكتابه الذي أسندوا الرواية إليه؛ لأن الصدوق وشيخه - محمد بن الحسن بن الوليد - قد ضعَّفا هذا الكتاب، وقالا: إنه موضوع، وضعه محمد بن موسى الهمداني. والمجلسي قدّس سره إنما رواها عن نسخة عتيقة وجدها بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي، ولم يصله الكتاب بإسناد متصل صحيح، ولم ينقل طريقه إلينا على تقدير أن الكتاب وصله بإسناد معتبر، فلا ندري أن الواسطة أي شخص، ولعله وضَّاع أو مجهول، وأما الأخبار المروية - في غير تلك النسخة كتفسير علي بن إبراهيم القمي، وكامل الزيارة، وعدة الداعي وغيرها عن زيد النرسي بواسطة ابن أبي عمير - فلا يدل وجدانها في تلك النسخة على أنها كتاب زيد المذكور وأصله؛ وذلك لأنا نحتمل أن تكون النسخة موضوعة، وإنما أدرج فيها هذه الأخبار المنقولة في غيرها تثبيتا للمدعى، وإيهاما على أنها كتاب زيد وأصله، وعلى الجملة إنا لا نقطع ولا نطمئن بأن النسخة المذكورة كتاب زيد كما نطمئن بأن الكافي للكليني، والتهذيب للشيخ، والوسائل للحر العاملي قدس الله أسرارهم. والذي يؤيد ذلك أن شيخنا الحر العاملي لم ينقل عن تلك النسخة في وسائله، مع أنها كانت موجودة عنده بخطه على ما اعترف به شيخنا شيخ الشريعة قدس سره، بل ذكر - على ما ببالي - أن النسخة التي كانت عنده منقولة عن خط شيخنا الحر العاملي بواسطة، وليس ذلك إلا من جهة عدم صحّة إسناد النسخة إلى زيد أو عدم ثبوته. وبعد هذا كله لا يبقى للرواية المذكورة وثوق ولا اعتبار، فلا يمكننا الاعتماد عليها في شيء من المقامات. (كتاب الطهارة 2/128).
2- أن هذه الرواية نقلها المجلسي قدّس سره في البحار عن أصل زيد النرسي بصيغة أخرى، فقال:
ومنه [أي من كتاب زيد النرسي] عن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل ينظر إلى أهل عرفة من أول الزوال، حتى إذا كان عند المغرب ونفر الناس، وكَّل الله ملكين بحيال المأزمين، يناديان عند المضيق الذي رأيت: يا رب سلِّم سلِّم، والرب يصعد إلى السماء، ويقول جل جلاله: آمين آمين رب العالمين، فلذلك لا تكاد ترى صريعاً ولا كسيراً. (بحار الأنوار 99/262).
وهذه الرواية بهذه الصيغة - رغم ما فيها من الغرائب - مغايرة للصيغة التي ورد فيها أن الله تعالى ينزل بذاته على جمل أفرق، وحينئذ فلا يمكن الاعتماد على هذه الرواية حتى لو صحَّ الطريق إلى أصل زيد النرسي؛ لأن الرواية المرويّة في أصل زيد غير معلومة، هل هي الرواية الأولى أو الثانية؟
3- أن هذه الرواية معارضة بأحاديث كثيرة تنكر نسبة النزول لله تعالى:
منها: ما رواه الكليني قدس سره بسنده إلى أبي إبراهيم عليه السلام، قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا. فقال: إن الله لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج إلى شيء، بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، أما قول الواصفين: إنه ينزل تبارك وتعالى فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فمن ظن بالله الظنون هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة، أو تحريك أو تحرك، أو زوال أو استنزال، أو نهوض أو قعود، فإن الله جل وعز عن صفة الواصفين، ونعت الناعتين، وتوهم المتوهمين، وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين. (الكافي 1/125).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك، إنما قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى يُنزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء، حدثني بذلك أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (التوحيد: 176).
وغير ذلك من الروايات الأخرى الدالة على أن الله تعالى لا ينزل ولا يتحرك من مكان إلى مكان.
4- أن الشيعة قديماً وحديثاً لم يعتقدوا بمضمون هذه الرواية، فليست كل رواية - وإن صحَّ سندها – تدل على عقيدة من عقائد الشيعة، وعقيدة الشيعة في الله معروفة، فإنهم لا يقولون بنزوله من السماء إلى الأرض، ولا بانتقاله من مكان إلى مكان، ولا بحاجته للمكان، ولا بجلوسه على العرش، فإن كل ذلك من صفات الأجسام المخلوقة، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
قال الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره: نعتقد إن الله تعالى واحد أحد، ليس كمثله شيء، قديم، لم يزل ولا يزال، هو الأول والآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير. ولا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهراً ولا عرضاً، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه. كما لا ند له، ولا شبه، ولا ضد، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم يكن له كفواً أحد، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. ومن قال بالتشبيه في خلقه بأن صور له وجهاً ويداً وعيناً، أو أنه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، أو نحو ذلك، فإنه بمنزلة الكافر به، جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن النقص، بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا (على حد تعبير الإمام الباقر عليه السلام)، وما أجله من تعبير حكيم! وما أبعده من مرمى علمي دقيق! (عقائد الإمامية: 36).
والنتيجة: أن إشكال المخالف غير وارد على الشيعة حتى لو صحت الرواية، فضلاً عما لو لم تصح.