الإرهاب الفكري... إلى متى؟

كثيراً ما نلقي باللائمة على غيرنا، ونصفهم بأنهم متعصبون لآرائهم ولمذاهبهم، وأنهم يمارسون الإرهاب الفكري مع مخالفيهم عامة ومع الشيعة خاصة، وأن هؤلاء لا يتعقلون الانفتاح على غيرهم، ولا يتقبلون آراءهم.

وهذه النظرة وإن كانت صحيحة في حق الإرهابيين الذين يمارسون الإرهاب بشتى أنواعه مع مخالفيهم، إلا أن بعضاً منا يمارس شيئاً من هذه الأمور في دائرته الضيقة في أسرته مع زوجته وأبنائه، أو في دائرته الأوسع مع مرؤوسيه في عمله، أو في الدائرة الأوسع في مجتمعه.

إن هذه الظواهر سائدة ومتفشية في مجتمعاتنا الشرقية، إلا أن البعض في الوقت الذي لا يتمكن من ممارستها قد لا يعلم أنه مبتلى بها، بل قد يجزم بأنه لا يتصف بها، ولكنه يبادر إلى ممارسة كل هذه الأمور أو بعضها وبتشدد بالغ في حال التمكن منها، ولهذا قال الشاعر العربي:

والظلمُ من شيم النفوس فإن تجد         ذا عفةٍ فلعلَّة لا يَظلمُ

فمن السيئ جداً أن نعيب الآخرين بعيب هو فينا، ونمارسه في كل حياتنا.

وصدق الشاعر القديم حيث قال:

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها      فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله    عار عليك إذا فعلت عظيم

على كل واحد منا أن يتأمل في سلوكه مع أسرته ومرؤوسيه في عمله وفي معاملاته مع الناس الذين هم دونه، ليصحح ما ينكشف له من ممارساته السيئة التي هي في حقيقتها نوع من الإرهاب الفكري، وإلغاء الآخر وإقصائه، وعدم تقبل الرأي الآخر، ليحق لنا بعد ذلك أن ننتقد الآخرين بسبب صدور هذه الممارسات منهم.

إن آخر ما نفكر فيه هو أن نحاسب أنفسنا، أو ننتقد ذواتنا، لأنا شغلنا أنفسنا دائما بمحاسبة الآخرين، وانتقادهم، وإحصاء أخطائهم، وتتبع عوراتهم، والتشهير بهم، وتناسينا أنفسنا وتعامينا عن عيوبنا التي نحارب الناس بسببها.