هل عباداتنا دائمة أو موسمية؟

 

لقد كانت الأجواء العبادية في شهر رمضان المباركة قد بعثت كثيراً من المؤمنين على أداء جملة من العبادات المستحبة التي قلَّ ما يمارسونها في غير شهر رمضان من سائر الشهور، كالالتزام بأداء النوافل اليومية، والمداومة على تلاوة كتاب الله المجيد، وقراءة الأدعية المستحبة، وإخراج الصدقات الكثيرة، وتعاهد الفقراء والمساكين، وحضور مجالس الذكر، والالتزام بالخلق الحسن مع سائر الناس، وخصوصاً مع الأهل والأقرباء.

إلا أن ما يثير التساؤل في هذا المقام هو أن أحوالنا بعد انقضاء شهر رمضان ترجع كسابق عهدها، فنترك الالتزام بكل المستحبات التي التزمنا بها خلال شهر رمضان، وكأن تلك العبادات قد شرعت لكي تؤدى في شهر رمضان دون غيره من الشهور الأخرى.

وهذه الظاهرة تشبه ما اعتاده بعض المؤمنين من الالتزام بحضور صلاة الجماعة في يوم الجمعة فقط، دون باقي أيام الأسبوع، وكأن حضور صلاة الجماعة لا يستحب في الأيام الأخر.

إن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على عباده المؤمنين بصيام شهر رمضان؛ لكي يقوموا خلال هذا الشهر المبارك بتربية نفوسهم، وتدريبها على جعل كثير من الأمور الدينية والسلوكية المهمة منهجاً في حياتهم وسلوكهم وممارساتهم، والقيام بأداء كثير من المستحبات المهجورة خلال العام بشكل مستمر، لإخراجها من حالة العبادة الموسمية إلى حالة العبادة المستحبة بنحو الدوام.

كما أن الله سبحانه وتعالى قد فرض صيام شهر رمضان من أجل تربية النفوس أيضاً على الالتزام بالأخلاق العالية التي أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يتحلوا بها، فتكون لهم شعاراً ودثاراً.

فمن أراد أن يعرف مقدار ما استفاده من صومه، فلينظر إلى ما أثر الصوم في نفسه، فإن رأى أنه قد بقي مداوماً على ما كان يعمله في شهر رمضان من الطاعات، فهنيئا له قبول صيامه، وحق له أن يفرح بعيده، لأن العيد إنما هو للصائمين الذي قبل الله أعمالهم.

فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في بعض الأعياد: إنما هو عيد لمن قبل صيامه، وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد. (وسائل الشيعة 11/244).