كيف نتأهب لقدوم شهر رمضان المبارك؟

ونحن على أعتاب شهر رمضان المبارك، الذي دعا الله فيه عباده إلى ضيافته وثوابه وغفرانه، فجعل لهم فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وجعل أنفاسهم فيه تسبيحاً، ونومهم فيه عبادة، وتقبل سبحانه فيه أعمالهم، وغفر لهم ذنوبهم، وجعل ثوابهم فيه مضاعفاً أضعافاً كثيرة، حتى صار هذا الشهر بحق خير الشهور، وأيامه أفضل الأيام، وساعاته أفضل الساعات، واستحق منا أن نتأهب له قبل قدومه للحصول على ما أعدَّه الله سبحانه وتعالى للصائمين والقائمين من الثواب العظيم والأجر الجزيل.

ولكن من المعلوم أن كثيراً من الناس يتأهبون لشهر رمضان بشراء صنوف وكميات الأطعمة والأشربة، استعداداً لبسط الموائد (الرمضانية) الدسمة التي تزدحم فيها الصحون بألوان المأكولات المختلفة التي لا تؤكل عادة إلا في شهر رمضان المبارك، حتى صار شهر رمضان مقترناً في أذهان الكثيرين بالموائد الدسمة، لا بالصوم عن الملذات واجتناب المحرمات، وظن بعضهم أن الله سبحانه وتعالى قد دعا عباده إلى ضيافته في شهر رمضان، فأسبغ عليهم صنوف المآكل والمشارب، جاهلين أو متجاهلين أنه تبارك وتعالى إنما دعا عباده إلى ضيافته بإجزال الثواب وتكفير الآثام والذنوب.

ورغم هذه الاستعدادات المبالغ فيها في هذا الجانب إلا أني لم أر ـ ولعله لقصور فيَّ أنا ـ أن هناك من تأهب قبل قدوم شهر رمضان بالنحو الذي يتلاءم مع قدسية هذا الشهر المبارك، فإني لم أر رجلاً قد أقلع عن معاصيه وآثامه التي كان عاكفاً عليها، وجدَّ في استغفار ربه قبل حلول الشهر المبارك رغبة منه في أن يدرك الشهر وقد تاب إلى الله تعالى من كل ذنوبه وما جنته يداه، ليبدأ صيامه وهو مقبول العمل.

كما أنه لم يتناه إلى سمعي أن رجلاً قد سعى إلى إخوانه وأرحامه وجيرانه الضعفاء يتفقد أحوالهم، ويواسيهم بشيء مما أنعم الله به عليه من أكداس الطعام التي جلبها لمنزله، ليحقق بذلك بعض أهداف الإمساك عن الملذات في هذا الشهر الكريم.

ولعلنا بسبب عدم مراعاتنا لأمثال هذه القضايا نتعجب لو سمعنا أن رجلاً قد حرص على قبول صيامه، فعمد قبل قدوم شهر رمضان إلى إصلاح القطيعة كانت التي بينه وبين أرحامه وأقربائه، وأزال كل ما في القلوب من شحناء وجفوة، أو بادر إلى إبراء ذمته من الحقوق المالية والأدبية التي تعلقت بذمته لله تعالى أو للناس.

ومع كل تقصيرنا في هذا الجانب، وعدم رعايتنا إلى ما ينبغي مراعاته لقبول أعمالنا، فإنا نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صيامنا وسائر عباداتنا، متكلين على كرم الله سبحانه، ومغفرته، وسعة رحمته، إنه غفور رحيم، كريم جواد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.