لماذا نختلف ونتنازع؟

 

عندما يحصل الاختلاف فيما بيننا، عادة ما ينظر الكثير منا إلى البعض الآخر نظرة سيئة جداً، بحيث لا يرى الواحد منا شيئاً من محاسن أولئك الذين نختلف معهم، بل لا يرى فيهم إلا المساوئ والقبائح، والصفات الدميمة، والأفعال المشينة.

ومن الواضح أن كل واحد منا لو أنصف غيره من نفسه لوجد أن كل الناس فيهم الكثير من المحاسن، حتى الأعداء لا نعدم فيهم الصفات الحسنة في كثير من الأحيان، لأنه ليس بالضرورة أن يكون من نخاصمه أو نعاديه مخطئاً، أو شريراً، أو سيئاً، فلعل الخطأ قد صدر منا، ولعل من نخطئه هو أقرب إلى الله منا.

ولا شك في أننا نرى أن بعض من خالفونا كانوا مخطئين، ولو أنصفنا غيرنا من أنفسنا لعلمنا ـ أو على الأقل احتملنا ـ أن بعض من نخالفهم مصيبون، لأن كل واحد منا لا يرى في نفسه العصمة المانعة له عن الخطأ  في حال الاختلاف.

ولو أننا نظرنا إلى محاسن غيرنا، وغضضنا الطرف عن مساوئهم، لما حصل بيننا وبينهم أي خلاف أو نزاع، فإن كل شخص من الناس لا يخلو من مساوئ ومعايب وأخطاء، ومحاسن شيعة أهل البيت عليهم السلام أكثر بكثير من مساوئهم، وحسبك أن من محاسنهم ولايتهم لأهل البيت عليهم السلام، ومحبتهم لهم، وكل سيئة لا تمحو هذه المحاسن.  

ثم إننا عندما نفكر في أسباب الاختلاف نرى أنها لا تستحق كل هذه الخصومة والمنازعة، لأن ما يفرق أتباع أهل البيت عليهم السلام لا يقاس بما يجمعهم، بل لم نر أي سبب يدعو إلى المخاصمة والتدابر فيما بينهم، ولا سيما أن وصايا أئمة أهل البيت عليهم لشيعتهم تعزز أواصر الألفة والمحبة فيما بينهم، فقد روي عن إمامنا الرضا عليه السلام أنه قال: كن محبا لآل محمد صلى الله عليه وآله وإن كنت فاسقاً، ومحباً لمحبيهم وإن كانوا فاسقين.

ولو تأملنا أكثر أسباب اختلافنا وتقاطعنا لوجدناها شخصية لا مذهبية، ودنيوية لا أخروية، وربما يتظاهر البعض منا بأنه يغضب لله، أو لأهل البيت عليهم السلام، ولكنه في حقيقته يغضب للدنيا، لا لله، ويصرخ لأجل مصلحته، لا لأجل المذهب.  

ومن الخطأ الفادح أننا نتدابر ونختلف فيما بيننا لا لسبب يستحق كما قلنا، في الوقت الذي نرى فيه أعداء شيعة أهل البيت عليهم السلام قد جندوا كل طاقاتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها لمحاربة الشيعة والقضاء على مذهبهم، وهذا وحده كاف للتغاضي عن كل أسباب الفرقة والتنازع، وداع لتعزيز ما يجمع الكل تحت لواء محمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين.