لماذا نكرس حالة التشتت والاختلاف؟

 

كثيراً ما أتعجب عندما أسمع بعضهم ينادي بأن أهل مدينتنا أولى من غيرهم ببعض الأمور أو المميزات الموجودة فيها، وأن كل ما فيها هو حق لهم دون غيرهم، وأنه لا ينبغي أن يشاركهم أحد في شيء منها، وعلينا أن نحاول منع هؤلاء الدخلاء من التطفل على تلك المميزات، ومنعهم عنها بكل الوسائل المتاحة لنا.

ومع الأسف فإن أمثال هذه النداءات قد تجد آذاناً صاغية، ويتحمس لها الكثيرون، ويكررها هذا وذاك في المجالس والمنتديات وغيرها وكأنها حقيقة لا يمكن النقاش فيها أو الخدش في صحتها.

وأكثر ما يثير العجب أن بعضهم يُلبس هذه النداءات لباساً دينياً، فيصرخ بأعلى عقيرته بأن هذا حق شرعي لأهل مدينتنا، لا ينبغي أن يشاركهم فيه أحد من غيرهم.

وقد يتمادى بعضهم فيتذمر من صلاة بعض المؤمنين الساكنين بجوارنا في مساجدنا، أو تولي بعضهم إمامة الجماعة في بعض مساجدنا، أو حضور الكثير منهم في الحسينيات في أيام وفيات الأئمة الأطهار عليهم السلام، ويتململ إذا سمع بميت لهم دفن في مقبرتنا.

ومن الواضح أن هؤلاء الإخوة قد غابت عنهم أمور ينبغي أن يتنبهوا إليها:

الأمر الأول: أن مدينتنا ليست ملكاً طلقاً لنا، لا شرعاً ولا عُرفاً ولا قانوناً، ليحق لنا أن نمنع غيرنا من السكنى فيها أو شراء بعض أراضيها وامتلاك العقار فيها، أو الدخول فيها للأغراض العادية فضلا عن الأغراض الدينية، وإنما هي عامة للناس كغيرها من المدن الأخرى، وكل الناس فيها شرع سواء، لا ميزة لأحد فيها على غيره، ولا أولوية للساكن فيها على الساكن في غيرها من المدن، ولهذا يرفض كل واحد منا أي شكل من أشكال التمييز في التعامل عندما نذهب إلى أية مدينة من مدن بلادنا العزيزة، ولا نرى لأي أحد الحق في ردعنا عن ممارسة ما يجوز ممارسته للساكنين الأصليين في تلك المدن.

الأمر الثاني: أني لا أجد أي فرق بين مؤمن يسكن في هذه المدينة، ومؤمن آخر يسكن في غيرها، ما دام الكل مؤمنين وصلحاء، ولئن كان بعضنا خيراً من بعض المؤمنين المجاورين لنا، فإنه من الواضح أن بعض أولئك المؤمنين أفضل من العصاة والسفهاء منا، فكما أن فينا الأخيار والصلحاء فكذلك فيهم، وكما أن فيهم السفهاء والعصاة فكذلك فينا، فهل يرى منصف أن العصاة منا أولى بمميزات مدينتنا من كل أولئك المؤمنين الأخيار المجاورين لنا؟

الأمر الثالث: أن كثيراً من أبناء مدينتنا دأبوا على الذهاب إلى بعض مساجد أولئك الإخوة المجاورين لنا ومجالسهم، للصلاة معهم أو لغير ذلك، ولم أسمع من واحد منا أن بعضهم تذمر من تواجدنا معهم، أو نادى بالتمييز بيننا وبينهم. وعليه، ألا يكون من الإنصاف أن نعاملهم بالمثل على الأقل؟

الأمر الرابع: أن تواجد هؤلاء الإخوة معنا للصلاة في مساجدنا، وحضور مجالس العزاء في حسينياتنا هو إحياء لشعائر الله التي هي من تقوى القلوب، فلا أدري من الذي يغيضه أن يحيي مؤمن شعائر الله في مدينتنا أو في أي مدينة أخرى من بلادنا العزيزة؟

الأمر الخامس: أن تواجد هؤلاء الإخوة معنا هو تكثير لسوادنا الذي يعطينا قوة ومدداً في مواجهة التحديات التي تواجهنا جميعاً من قبل الإرهابيين والتكفيريين الذين يستهدفونا في أنفسنا وفي جميع جوانب حياتنا، فهل ترون أيها الإخوة ونحن في هذا الظرف أنه يجوز لأي منا أن يكرِّس حالة التشتت والتشرذم فيما بيننا؟  

لقد ساءني أنني سمعت أن بعض الإخوة المجاورين لنا قال: (إذا كنا غير مرغوب فيهم فنحن لن نأتي إلى مدينتكم لا للصلاة ولا لغيرها).

ولعله من نافلة القول أن أقول: إنه من المعلوم أنه لا حق لأحد في أن يمنع مؤمناً من الصلاة في مسجد من المساجد، إماماً كان أم مأموماً، كما لا حق لأحد أن يمنع مؤمناً من دخول أية حسينية، لأن المساجد لله تعالى، والحسينيات لشيعة أهل البيت عليهم السلام، والعقلاء من أهل مدينتنا يرحبون بأي مؤمن ويفرحون بقدومه، ولا عبرة بقول غيرهم في هذه المسألة ما دام حكم الله سبحانه وحكم رسوله صلى الله عليه وآله في هذه المسألة واضحاً ومعلوماً، قال سبحانه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36].