التقريب بين أتباع المذاهب مشكلة بلا حلول!!

 

لقد كثر الكلام والجدل حول مسألة التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية، وافترق الناس في هذه القضية ما بين مؤيد ومعارض، وما بين ساع إلى التقريب ومعرقل له.

ومع أن قضية التقريب بين أأأتباع المذاهب ينبغي أن تكون مسألة قد فُرِغ من الاتفاق على ضرورتها ولزوم السعي الدؤوب إليها لِلَمّ شمل الطوائف الإسلامية، ورأب الصدع الذي فت في عضد الأمة، وزعزع كيانها، إلا أن المسلمين ـ مع كثرة ما عقدوا من مؤتمرات التقريب ـ لم يتقدموا في هذا المجال ولا خطوة واحدة، ولا يزال الاحتقان الطائفي بين الشيعة وأهل السنة مستعراً على كافة الأصعدة.

والمصلحون المخلصون الذين حملوا هموم الأمة، وتحملوا آلامها، وسعوا لتحقيق آمالها، كلما نادوا بالتقريب والتقارب بين فئات المسلمين، وعملوا جاهدين لرفع كل أسباب التشنج والاحتقان بين الطوائف الإسلامية، قامت فئات وفئات بإشعال فتيل الطائفية، وصب الزيت على النار، وإثارة الخلافات التي مضى عليها أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وإلصاق التهم بأبناء بعض الطوائف الأخرى، أو إدانة كل الأتباع لجرم اتهم به بعض منهم.

ومن العجيب أن شخصيات إسلامية مثلوا بلادهم، أو مثلوا بعض الجمعيات أو المنظمات الإسلامية أو غيرها في بعض مؤتمرات التقريب بين أبناء المذاهب الإسلامية، وهم لا يعتقدون بضرورة التقريب ولا بأهميته، وتاريخهم يثبت أنهم كانوا من مثيري الفتنة ومن العاملين على عرقلة كل مساعي التقريب، ولذلك أفشلوا تلك المؤتمرات باتهامهم ظلماً وزوراً لغيرهم بالضلوع في حوادث قتل المدنيين الأبرياء التي حدثت في العراق والباكستان أو غيرهما، واشتراط تنازل بعض الطوائف عن بعض ثوابتها، كأساس لقبول التقريب بينهم وبين غيرهم ممن يخالفهم في كثير من المسائل الفقهية والعقدية.

ولعل من أهم المسائل التي يرى هؤلاء أنها مانعة من التقارب بين الشيعة وأهل السنة مسألة سب الصحابة، مع أنها مسألة فقهية اجتهادية وليست مسألة عقدية ضرورية، وإن جعلها بعض المعاصرين ركناً سادساً من أركان الإسلام، ورتب عليها أن من سب واحداً من الصحابة فهو كافر.

ومن الواضح أن سب بعض الصحابة لا يسبب كفراً ولا خروجاً من الملة، ولا سيما إذا كان ناشئاً عن شبهة أو عن اجتهاد، لأنه لا ينافي ركناً من أركان الإسلام، ولا أصلاً من أصوله. والصحابة بشر، يصيبون ويخطئون، وهم اجتهدوا في نفس هذه المسألة، فسبَّ بعضهم بعضاً، وقتل بعضهم بعضاً. ولم يدل دليل من الكتاب والسنة على أن الصحابة لهم حكم مختلف عن غيرهم من المسلمين، وأقصى ما في سباب المسلم أنه فسوق كما أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله حيث قال: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر.

فلا ندري بعد هذا لمَ صار سباب الصحابي بخصوصه كفراً وزندقة؟

وكيف كان فإن هذا موضوع شائك، لستُ في صدد بيانه، ولعلّي أتحدث فيه في مناسبة أخرى.

والذي أود أن ألفت النظر إليه في موضوع التقريب هو أنه لا يراد بالتقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية إلغاء الخصائص المذهبية لكل طائفة، كما لا يطلب من أتباع الطوائف أن يتنازلوا عن بعض معتقداتهم، أو يبدلوا بعض أحكامهم الفقهية، وإنما يراد بالتقريب العمل المشترك على تعزيز أواصر المحبة بين أتباع المذاهب الإسلامية، وعدم التمييز بينهم على أساس المذهب والمعتقد، واعتبار الجميع مسلمين يعيشون جميعاً تحت مظلة الإسلام، وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات.

وقد يظن البعض أن المراد بالتقريب بين المذاهب هو تقريب المعتقدات والأحكام، وتنازل كل طائفة عن بعض ثوابتها من أجل الوصول إلى حلول وسط، ولعل هذا الفهم أوهمه قولهم: (التقريب بين المذاهب)، مع أن المراد هو التقريب بين أتباع المذاهب، لا بين المذاهب نفسها.

والدعوة إلى التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية لا تعني إلغاء كل حوار علمي في المسائل الخلافية في الأصول والفروع، فلا محذور في عقد ندوات للحوار العلمي الهادف البعيد عن الإثارة والتشنج، والذي يراد به الوصول إلى الحق من جهة، والتعرف على الطرف الآخر من جهة أخرى، مع بعد المتحاورين على لغة التكفير والسباب والتسقيط، وألا ينطبع بطابع المحاكمة لآراء الآخرين بهدف انتزاع الإقرار منهم بأنهم يذهبون إلى هذا الرأي أو ذاك، من أجل إثارة العامة ضدهم.

ولعل البحث في الأمور المشتركة بين الطوائف الإسلامية - وهي كثيرة جداً - أولى من الخوض في عباب الحوارات الطائفية، وأسلم من الدخول في متاهات الخلافات المذهبية، لأن غاية الباحث في الأمور المشتركة هي تقريب الأطراف الأخرى والتقرب إليهم، وأما الباحث في المسائل الخلافية فغالباً ما يكون هدفه هو إثبات الذات وإلغاء الآخر.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحد كلمة المسلمين ويجمعهم على رضاه، ويجعل كلمتهم هي العليا، وكلمة أعدائهم هي السفلى، إنه على كل شيء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.