إثارات حول الإمام المهدي عليه السلام

 

ورد على موقعنا رسالة من أحد القراء، بعنوان: (بعض معتقداتكم في المهدي)، ذكر فيها أموراً حول الإمام المهدي عليه السلام، التقطها من بعض الأحاديث المروية في كتب الشيعة، فزعم أنها عقائد للشيعة من دون أن يتحقق من صحة أسانيد تلك الروايات، ومن دون أن يعرف معنى تلك الأحاديث، وهل أن مضامينها مما يعتقد به الشيعة أو لا، فقال:

 

1- أن المهدي سيصالح اليهود والنصارى كما قال بذلك المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) 52 / 376 .

أليس المهدي عربي؟ كيف يصالح اليهود والنصارى؟

 

الجواب: أن هذا المخالف أشار إلى ما رواه المجلسي قدس سره في كتاب البحار 52/376 نقلاً عن كتاب مزار لبعض قدماء الأصحاب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا أبا محمد، كأني أرى نزول القائم عليه السلام في مسجد السهلة بأهله وعياله...

 

إلى أن قال: قلت: فما يكون من أهل الذمة عنده؟ قال: يسالمهم كما سالمهم رسول الله صلى الله عليه وآله، ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون...

 

وهذه الرواية ـ أولاً ـ ضعيفة، بل لا سند لها، فلا يعول عليها، ولا يصح الاحتجاج بها على الشيعة.

 

وثانياً: مع الإغماض عن سند هذه الرواية فإنها دلت على أن الإمام المهدي عليه السلام يسالم أهل الذمة، أي اليهود والنصارى الذين يسكنون في بلاد المسلمين، وتكون بينه وبينهم معاهدة ذمة، يلزمهم الإمام عليه السلام بمقتضاها أن يدفعوا إليه الجزية عن يد وهم صاغرون.

 

ولم يرد في الرواية أنه عليه السلام يسالم كل اليهود والنصارى في جميع الأمصار وإن لم تكن بينه وبينهم معاهدة ذمة.

 

ورسول الله صلى الله عليه وآله كما دل الحديث قد سالم اليهود والنصارى الذين كانوا في جزيرة العرب، وأخذ منهم الجزية، فما سيفعله الإمام المهدي عليه السلام هو عين ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله بلا أدنى فرق، فما هو الإشكال في ذلك؟

 

ولا أدري هل يريد هذا المخالف أن يقتل الإمام المهدي اليهود والنصارى عن بكرة أبيهم؟

ألا يرى أن الأصح هو أن يسالمهم ويدعوهم إلى الإسلام؟

 

لأنه لا إكراه في الدين، ولا يجوز قتل المنتمين إلى الأديان المختلفة إذا لم يكونوا محاربين للمسلمين كما قال سبحانه: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: 8، 9].

 

وعلى كل حال، فإن ما سيفعله الإمام المهدي عليه السلام هو الموافق لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو المطابق لتعاليم الإسلام المعروفة في التعامل مع الكفار وأهل الذمة بالخصوص، فلا إشكال في البين، والحمد لله رب العالمين.

 

2- أن المهدي ليس بينه وبين العرب وقريش إلا الذبح كما قال بذلك النعماني في كتابه (الغيبة) صفحه 154.

هل معنى ذلك أنه يحب القتل؟

 

الجواب: أن المخالف أشار إلى الحديث الذي رواه النعماني في كتابه الغيبة، ص 154 عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسين الجعفي، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، ووهب، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف، ما يأخذ منها إلا السيف، وما يستعجلون بخروج القائم؟ والله ما لباسه إلا الغليظ، وما طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف.

 

وهذه الرواية ضعيفة السند، فإن في سندها الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، وأباه، وهما من رؤوس الواقفية، وأحمد بن يوسف بن يعقوب، وهو لم يثبت توثيقه، وعليه فلا يحتج بهذه الرواية في شيء.

 

وبعد الغض عن ضعف سندها فإنها لا تدل على أن الإمام المهدي عليه السلام سيقتل العرب، أو يقتل خصوص قريش، فإن ظاهر قوله: (إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف، ما يأخذ منها إلا السيف) هو أن العرب سيحاربونه، ولن يسلموا إليه الأمر، ومن الطبيعي أن تكون بينه عليه السلام وبينهم حروب ومعارك إلى أن يخضعهم لسلطانه، وكل من اطلع على تاريخ العرب، ونظر في مجريات الأحداث يتبين له أن حكام العرب لن يسلموا للإمام المهدي هكذا طواعية، وإنما سيحاربونه أشد الحرب.

 

ولا يخفى أن الإمام المهدي عليه السلام لن يخرج إلى الناس إلا لإقامة العدل ورفع الظلم، فمن سلم له، وقبل بحكومته، فإنه لا سبيل له عليه، إلا أن يقيم حقا أو يدفع باطلا، إلا أن المتوقع ليس كذلك، فإن سلاطين الجور سيحاربونه، ولن يكون بينه وبينهم إلا السيف، وهذا أمر طبيعي، ولم تدل روايات أهل السنة على خلاف ذلك، والله العالم.

 

3- أن المهدي سيحكم بشريعة آل داود كما قال بذلك الكليني في كتابه (الكافي) 1/398.

أين ستذهب شريعة النبي محمد ؟

 

الجواب: أشار المخالف إلى الباب الذي عقده الكليني قدس سره في كتاب الكافي وهو: باب في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود، ولا يسألون البينة، عليهم السلام والرحمة والرضوان.

وذكر في هذا الباب عدة أحاديث جاء في أحدها قول أبي عبد الله الصادق عليه السلام: إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان، لا يسأل البينة.

 

وبسنده عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني، يحكم بحكم آل داود، ولا يسأل البينة، يعطي كل نفس حقها.

 

وعن عمار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بم تحكمون إذا حكمتم؟ قال بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقانا به روح القدس.

 

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أن المراد بحكم داود هو عدم سؤال البينة؛ ليكون الحكم بما هو في علم الله الواقعي، لا بالبينات والأيمان الذي قد يصيب وقد يخطئ.

 

قال شيخنا المجلسي قدس سره في بحار الأنوار: ثم اعلم أن الظاهر من الأخبار أن القائم عليه السلام إذا ظهر يحكم بما يَعْلم في الواقعة لا بالبيِّنة، وأما من تقدَّمه من الأئمة عليهم السلام فقد كانوا يحكمون بالظاهر، وقد كانوا يُظْهِرون ما يعلمون من باطن الأمر بالحِيَل كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يفعله في كثير من الموارد، وقال الشيخ المفيد في كتاب المسائل: للإمام عليه السلام أن يحكم بعلمه كما يحكم بظاهر الشهادات، ومتى عرف من المشهود عليه ضد ما تضمنته الشهادة أبطل بذلك شهادة من شهد عليه، وحكم فيه بما أعلمه الله تعالى، وقد يجوز عندي أن تغيب عنه بواطن الأمور، فيحكم فيها بالظواهر وإن كانت على خلاف الحقيقة عند الله تعالى، ويجوز أن يدلَّه الله تعالى على الفرق بين الصادقين من الشهود وبين الكاذبين، فلا تغيب عنه حقيقة الحال، والأمور في هذا الباب متعلقة بالألطاف والمصالح التي لا يعلمها على كل حال إلا الله عزَّ وجل، ولأهل الإمامة في هذه المقالة ثلاثة أقوال: فمنهم من يزعم أن أحكام الأئمة على الظواهر دون ما يعلمونه على كل حال، ومنهم من يزعم أن أحكامهم إنما هي على البواطن دون الظواهر التي يجوز فيها الخلاف، ومنهم من يذهب إلى ما اخترته أنا من المقال. (بحار الأنوار 26/177).

 

وقال قدس سره في مرآة العقول: وهذا الاختلاف في سِيَرهم عليهم السلام ليس من قبيل النسخ حتى يرد: (لا نسخ بعد نبيِّنا)، بل إما باعتبار التقية في بعضها، أو اختلاف الأوضاع والأحوال في الأزمان، فإنه يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وآله أمر الإمام بالحكم بالواقع إذا لم يصر سبباً لتفرّق الناس ورجوعهم عن الحق، وبالحكم بالظاهر إذا صار سبباً لذلك... (مرآة العقول 4/301).

 

قلت: لما كانت وظيفة الإمام المهدي عليه السلام هي ملء الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، فمن الطبيعي أن يكون حكمه في كل قضية بما يوافق الواقع؛ لترجع الحقوق إلى أصحابها، وهذا يقتضي أن يحكم بعلمه الذي يلهمه الله به، لا بالظاهر الذي قد يصيب الواقع وقد يخطئه، وهذا هو المراد بحكم داود، فإن داود عليه السلام كان يحكم في كل قضية بما يلهمه الله سبحانه من غير حاجة للرجوع إلى البينات والأَيمان.

 

وقد اختلف العلماء في أن الحاكم هل يجوز له أن يحكم بعلمه من دون الأخذ بالبينات والأَيمان أو لا؟

 

قال ابن قدامة في المغني: (مسألة) قال: (ولا يحكم الحاكم بعلمه) ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في حَدٍّ ولا غيره، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها. هذا قول شريح، والشعبي، ومالك، وإسحاق، وأبي عبيد، ومحمد بن الحسن، وهو أحد قولي الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى: يجوز له ذلك، وهو قول أبي يوسف، وأبي ثور، والقول الثاني للشافعي، واختيار المزني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فحكم لها من غير بينة ولا إقرار؛ لعلمه بصدقها.

 

إلى أن قال: ولأن الحاكم يحكم بالشاهدين؛ لأنهما يغلبان على الظن، فما تحقَّقه وقطع به كان أولى؛ ولأنه يحكم بعلمه في تعديل الشهود وجرحهم، فكذلك في ثبوت الحق قياساً عليه. (المغني 11/401).

 

قلت: وعلى هذا فلا محذور في أن الإمام المهدي عليه السلام يحكم في القضايا بعلمه الذي يلهمه الله به، فلا يَسأل عن بيِّنة أو يمين كما هو حال داود عليه السلام في حكمه.

 

4- أن المهدي يحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وأهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن، كما قال بذلك النعماني في كتابه ( الغيبة ) صفحه 157.

أليس من المفترض أن يحكم بالقرآن؛ لأن القرآن هو الكتاب الصحيح؟

 

الجواب: أن المخالف أشار إلى الحديث الذي رواه النعماني في كتابه الغيبة، ص 156 بسنده عن عمرو بن شمر عن جابر، قال: دخل رجل إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام، فقال له: عافاك الله اقبض مني على هذه الخمسمائة درهم، فقال له أبو جعفر عليه السلام: خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المسلمين، ثم قال: إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية، وعدل في الرعية، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وإنما سمي المهدي مهدياً لأنه هُدي لأمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن، ويجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله عزَّ وجل، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً.

 

وهذه الرواية ضعيفة السند؛ فإن في سندها عمرو بن شمر، وهو ضعيف، ضعفه النجاشي، وابن الغضائري (راجع معجم رجال الحديث 13/106).

 

ولو أغمضنا عن ضعف سند هذه الرواية فإن المراد بها هو أن الإمام المهدي عليه السلام سيحكم بالقرآن وبأحكام الإسلام، وسيكون الدين الرسمي في دولته المباركة هو الإسلام دون غيره من الأديان السماوية وغيرها، إلا أنا ذكرنا فيما تقدم ما دلت عليه بعض الأخبار من أن الإمام عليه السلام لن يكره اليهود والنصارى على الإسلام، وعليه فإن المنازعات التي تكون بينهم لا بد من فضها والحكم فيها، وحيث إنهم لا يعتقدون إلا بشريعتهم فإن الحكم بشريعة أخرى لا يفض النزاع بينهم، ولهذا فإن الإمام المهدي عليه السلام سيحكم بين اليهود بما في التوراة غير المحرفة التي نزلت على موسى، ويظهر من بعض الأخبار أنها أحكام لا تخالف أحكام الإسلام، كرجم الزاني المحصن وما شابه ذلك، وكذا الحال في الحكم بين النصارى، فإنه عليه السلام سيحكم بينهم بما في الإنجيل غير المحرف الذي أنزل على عيسى بن مريم عليه السلام.

 

قال تعالى: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 43، 44).

 

وهاتان الآيتان واضحتا الدلالة على أن التوراة فيها حكم الله تعالى، وأن الأنبياء السابقين كانوا يحكمون على اليهود وغيرهم بما فيها من أحكام الله سبحانه.

 

5- أن المهدي يدعو الله باسمه العبراني كما قال بذلك النعماني في كتابه (الغيبة) صفحه 157.

هل يعني انه ليس بعربي؟

 

الجواب: أشار المخالف إلى ما رواه النعماني في كتابه الغيبة، ص 213، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا علي بن الحسن التيملي، قال: حدثنا الحسن ومحمد ابنا علي بن يوسف، عن سعدان بن مسلم، عن رجل، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يُفقد عن فراشه ليلاً، فيصبح بمكة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً).

 

وهذه الرواية واضحة الضعف؛ لأنها مرسلة، فلا يصح الاحتجاج بها أو التعويل عليها.

 

ومع الغض عن سندها فإن الله سبحانه وتعالى له أسماء كثيرة، كلها تشير إليه وتدل عليه، والدعاء باسم الله العبراني في مورد خاص لا يعني أن الداعي ليس بعربي، أما لماذا يدعو الإمام المهدي في ذلك الوقت باسم الله العبراني فهذا لا نعلمه، ولا نعلم الحكمة فيه، ولا شك أن هناك سبباً لا نعرفه، وحكمة لم نطلع عليها.

 

ثم إن ابن كثير في تفسيره قال: وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد أن (الرحمن) اسم عبراني ليس بعربي. (تفسير القرآن العظيم 1/20). ونسبه الزجاج في معاني القرآن إلى أحمد بن يحيى كما ذكر ذلك القرطبي في تفسيره 1/104، وأضاف أن (الرحيم) اسم عربي، فلهذا جمع بينهما.

 ونسب ابن حجر هذا القول في فتح الباري للمبرد وثعلب وهما من أكابر النحاة، ونسبه الشوكاني في فتح القدير 1/18 إلى ابن الأنباري والزجاج.

وقال ابن كثير: وحكى الرازي عن بعضهم أن اسم (الله) تعالى عبراني. (تفسير القرآن العظيم 1/20).

وقال الألوسي في تفسيره 1/56: وزعم البلخي أنه ـ أي لفظ الجلالة ـ ليس بعربي، بل هو عبراني، أو سرياني، معرب لاها، ومعناه: ذو القدرة.

وعليه، فربما يكون دعاء الله تعالى باسمه العبراني هو أنه يقول: يا الله، أو يا رحمن، والله العالم.

 

6- أن المهدي سيهدم الكعبة والمسجد الحرام والمسجد النبوي بل وكل المساجد كما قال بذلك المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) 52 / 333 ، 338.

إذا كان سيهدم الكعبة .. أين الإصلاح والعدل .. ألا يعتبر من الجور هدم الكعبة؟

 

 

الجواب: أن المخالف يشير إلى ما رواه الكليني قدس سره في كتاب الكافي 4/544 عن أحمد بن محمد، عمن حدثه، عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن القائم عليه السلام إذا قام رد البيت الحرام إلى أساسه، ومسجد الرسول إلى أساسه، ومسجد الكوفة إلى أساسه. وقال أبو بصير: إلى موضع التمارين من المسجد.

 

وهي رواية ضعيفة السند بالإرسال؛ ولأن محمد بن الحسين غير معروف.

 

وهذا الخبر رواه أيضاً المجلسي قدس سره عن كتاب الإرشاد للمفيد، ص 364، والمفيد رواه مرسلاً عن أبي بصير.

 

ورواه الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة)، ص 282 بهذا السند: الفضل بن شاذان، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير.

 

وهو خبر ضعيف بعلي بن أبي حمزة، وهو البطائني رأس الواقفة الملعون عدو الإمام الرضا عليه السلام.

 

 قال ابن الغضائري: علي بن أبي حمزة لعنه الله، أصل الوقف، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام. (رجال ابن الغضائري: 83).

 

وقال علي بن الحسن بن فضال: علي بن أبي حمزة كذاب، واقفي متّهم ملعون، وقد رويتُ عنه أحاديث كثيرة، وكتبتُ عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً. (رجال العلامة، ص 231).

 

وضعَّفه ابن داود في رجاله، والعلامة في الخلاصة، والمجلسي في الرجال والوجيزة وغيرهم. (رجال ابن داود: 259. رجال العلامة: 231. الوجيزة: 118. رجال  المجلسي: 255).

 

وروى ابن داود في رجاله عن الرضا عليه السلام أنه قال: أَمَا استبان لكم كذبه؟ أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن مريم؟

 

والحاصل أن أسانيد هذا الخبر كلها لا تقوم بها الحجة، فلا يصح الاحتجاج به ولا التعويل عليه.

 

ومع الإغماض عن سند الحديث فإن هدم المسجدين إلى أساسهما غير جائز لأحد من الناس، والإمام المهدي عليه السلام أعرف بما يجوز له وما لا يجوز، ونحن نعرف الحق والعَدْل من فعله عليه السلام، فإذا هدَمَ المسجدين إلى أساسهما فلا ينبغي لنا أن نشك في صحة فعله وكونه مرضيًّا عند الله سبحانه، وإلا لما كان المهدي عليه السلام محمود السيرة، وموصوفاً بأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.

 

ولعل الوجه في هدم المسجدين إلى أساسهما ـ على فرض صحَّة الحديث ـ هو أن بعض نواحي المسجدين بناها سلاطين الجور من قبل لغير الله رياءً وسمعة، أو بنوها بمال حرام أو مغصوب، أو أن الإمام عليه السلام يريد بذلك أن يمحو آثار الظالمين وسلاطين الجور حتى لا يبقى لهم ذِكْر كما ورد في بعض الأحاديث، أو لغير ذلك.

 

هذا مع أن أهل السنة رووا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وآله كان يود هدم الكعبة وإعادة بنائها، ولكن منعه من ذلك أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام.

 

فقد أخرج مسلم في صحيحه 4/98 عن عبد الله بن الزبير أنه قال: حدثتني خالتي (يعني عائشة) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا أنّ قومك حديثو عهد بِشِرْكٍ لهدمتُ الكعبة، فألزقتُها بالأرض، وجعلتُ لها بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدتُ فيها ستة أذرع من الحِجْر، فإن قريشاً اقتصرتْها حيث بَنَت الكعبة.

 

وأخرج أيضاً في صحيحه عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهلُ الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير، حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرِّئَهم أو يُحَرِّبَهم على أهل الشام، فلما صَدَرَ الناس قال: يا أيها الناس أشيروا عليَّ في الكعبة، أنقضها ثم أَبني بناءها، أو أُصلح ما وهى منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فُرِقَ لي رأي فيها، أرى أن تُصلح ما وهى منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها، وبُعِث عليها النبي صلى الله عليه وسلم. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يُجِدَّه ـ أي يجعله جديداً  ـ، فكيف بيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثاً، ثم عازم على أمري. فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء، حتى صعده رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة، فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يُقَوِّي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحِجْر خمس أذرع، ولجعلتُ لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه. قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحِجْر، حتى أبدى أُسًّا ـ أي أظهر بعض أسس البيت الذي بناه إبراهيم  عليه السلام  ـ  نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعاً، فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين، أحدهما يُدْخَل منه، والآخر يُخْرَج منه، فلما قُتِلَ ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أُسٍّ نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقرَّه، وأما ما زاد فيه من الحِجْر فرُدَّه إلى بنائه، وسُدَّ الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. (صحيح مسلم 4/98).

 

قلت: هكذا فعل هؤلاء السلاطين من البناء والهدم على حسب ما يحلو لهم، وما فعله غيرهم في المسجدين معروف، والمخالف لا ينكر شيئاً من أفعالهم، وإنما يود أن يتحامل على الشيعة، فيُنكر عليهم وجود بعض الروايات الضعاف التي تذكر نقض الإمام المهدي عليه السلام للمسجدين المعظمين، مع أن نقضهما أمر راجع للإمام المهدي عليه السلام بعد خروجه دون غيره.

 

ثم إن الأحاديث السابقة دلت على أن الإمام المهدي يرد المساجد الثلاثة إلى أساسها، أي أنه عليه السلام يعيد بناءها، لا أنه يهدمها ويتركها مهدومة من دون بناء، ولا أنه عليه السلام يهدم باقي المساجد كما زعمه هذا المخالف، والحمد لله رب العالمين.