الروايات المشيرة إلى وجود ثلاثة عشر إماماً

وردت بعض الروايات في كتب الشيعة ربما يتوهم منها أنها تدل على وجود ثلاثة عشر إماماً، مع أن الشيعة يقولون باثني عشر إماماً فقط.

من تلكم الروايات ما رواه الكليني رحمه الله في كتاب الكافي 1/532 بسنده عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر، آخرهم القائم عليه السلام، ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي.

وهذا الحديث رواه أبو الجارود عن الإمام الباقر عليه السلام، وأبو الجارود زيدي المذهب، بل تنتسب إليه فرقة الجارودية من الزيدية، مع أنه لم تثبت وثاقته عندنا، والحديث لا يدل على وجود ثلاثة عشر إماماً، إذ ليس المراد أن الأوصياء من ولد فاطمة اثنا عشر، فيكون مجموع الأئمة بضميمة أمير المؤمنين ليه السلام ثلاثة عشر، بل المراد أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه رأى لوحاً عند فاطمة سلام الله عليها، فيه أسماء الأوصياء من ولد فاطمة، فعد الأسماء المكتوبة في ذلك اللوح، فوجدها اثني عشر وصيا، وجابر لم يذكر أن تلك الأسماء الاثني عشر كلها للأوصياء من ولد فاطمة عليها السلام، فقوله: (لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها) يعني أن أسماء الأحد عشر إماماً من ولد فاطمة سلام الله عليها مكتوبة في ذلك اللوح، وقوله: (فعددت اثني عشر)، أي فعددت الأسماء فوجدتها اثني عشر، وهي الأحد عشر من ولدها مع أمير المؤمنين ليه السلام، وقوله: (ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي)، أي ثلاثة من الأوصياء من ولد فاطمة أسماؤهم محمد، وهم محمد بن علي الباقر، ومحمد بن علي الجواد، ومحمد بن الحسن العسكري عليهم السلام، وثلاثة منهم أسماؤهم علي، وهم علي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن موسى الرضا، وعلي بن محمد الهادي عليهم السلام.

قال المجلسي في مرآة العقول 6/228: فإن المسمَّى بعلي من الجميع أربعة، والظاهر أن التصحيف من النسَّاخ، فإنه روى الصدوق في الإكمال والعيون والفقيه، والشيخ في الغيبة بهذا الإسناد عن جابر، وفيها جميعاً وفي غيرها من الكتب: وأربعة منهم علي.

ومن تلك الأحاديث ما رواه الكليني في الكافي 1/533 بسنده عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن سماعة، عن علي بن الحسن بن رباط، عن ابن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الاثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم محدث، من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وولد علي بن أبي طالب عليه السلام، فرسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام هما الوالدان.

وهذه الرواية ضعيفة السند، فإن في سندها علي بن سماعة، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

ومع الغض عن سند الرواية فإنها أيضاً لا تدل على وجود ثلاثة عشر إماماً، وذلك لأن كلمة (الاثنا عشر) من قوله:(الاثنا عشر الإمام من آل محمد كلهم محدث)، مبتدأ، خبره قوله: (محدَّث)، وأما قوله :(من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وولد علي بن أبي طالب عليه السلام)، ففيه احتمالان: لأن المبتدأ إما أن يكون قوله: (الاثنا عشر)، فيدل حينئذ على أن أمير المؤمنين عليه السلام أب لاثني عشر إماماً، فيكون مجموع الأئمة ثلاثة عشر، وإما أن يكون المبتدأ محذوفاً، تقديره (أكثرهم) من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم الأحد عشر إماماً، فيكون مجموع الأئمة اثني عشر، فلا يكون في الحديث أي إشكال، والمبتدأ يجوز حذفه عند علم المخاطب به، كما قال ابن مالك في الألفية:

وحذف ما يُعلم جائز كما تقول: (زيدٌ) بعد (مَنْ عندكما؟)

وبما أن المخاطب كان من الشيعة فهو يعلم أن المراد بالأئمة الذين هم من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وولد علي عليه السلام أحد عشر إماماً، فلذلك حذف المبتدأ اعتماداً على فهم المخاطب، ومن يزعم أن المبتدأ هو قوله: (الاثنا عشر) فعليه أن يثبت ذلك، ومتى ما تطرق الاحتمال للدليل سقط عن صلاحيته للاستدلال.

ومن تلك الأحاديث ما رواه الكليني أيضاً في كتاب الكافي 1/534 بسنده عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني واثني عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها، ولم يُنظَروا.

وهذا الحديث مضافاً إلى ضعف سنده بأبي الجارود، فإن في سنده أبا سعيد العصفوري، وهو العصفري، وهو لم يثبت توثيقه، وذكر الشيخ الطوسي أنه عامي المذهب، وفي سنده عمرو بن ثابت، وهو عمرو بن أبي المقدام، وهو لم يثبت توثيقه أيضاً، فالرواية ضعيفة السند.

ومع الإغماض عن سندها فإنه يمكن حملها على أن المراد بقوله: (إني واثني عشر)، وهم الأئمة الاثنا عشر، الذين بينهم بقوله: (من ولدي وأنت يا علي)، أي أحد عشر من ولده صلى الله عليه وآله، وأنت يا علي عليه السلام، فيكونون اثني عشر.

أو يكون المراد بقوله: (إني واثني عشر من ولدي) فاطمة عليها السلام، والأئمة الأحد عشر من ولدها عليهم السلام أجمعين، ثم قال: وأنت يا علي، فلا يكون في الحديث دلالة على وجود ثلاثة عشر إماماً.

هذا مضافاً إلى أن هذه الرواية قد رويت بنحو آخر. قال المجلسي قدس سره في مرآة العقول 6/232: وروى الشيخ في كتاب الغيبة بسند آخر عن عمرو بن ثابت عن أبي الجارود مثله، وفيه):إني وأحد عشر من ولدي)، وهو أظهر.

وروى الكليني قدس سره في الكافي أيضاً 1/534 بالإسناد السابق، عن أبي سعيد رفعه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملؤهاً عدلاً كما مُلئت جوراً.

وهذا الحديث مضافاً إلى ضعف سنده، فإنه مرفوع أيضاً، ويمكن حمل الحديث على أن المراد بقوله: (من ولدي اثنا عشر نقيباً) فاطمة عليها السلام، والأحد عشر إماماً من ذريتها، وفي أصل أبي سعيد العصفري المطبوع ضمن الأصول الستة عشر، ص 15، 139: من ولدي أحد عشر نقيباً... الخ. وكذا في مناقب ابن شهراشوب 1/300، فيكون قوله: (اثنا عشر) تصحيف من النسَّاخ.

والحاصل أن كل الروايات التي توهم دلالتها على وجود ثلاثة عشر إماماً ضعيفة السند، مع أنه يمكن تأويلها بما يوافق مذهب الشيعة الإمامية، والحمد لله رب العالمين.