عَبَسَ وَتَوَلَّى

مسجد إبراهيم الخليل (عليه السلام)بسيهات

 

قال تعالى: )عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى *   (.. الآيات.

 @أسباب النزول:

ذهب جمهور مفسري أهل السنة إلى أن هذه الآيات نزلت في رسول الله في شأن عبد الله بن أم مكتوم، لما جاءه وكان عنده بعض صناديد قريش، منهم عتبة وشيبة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، والوليد بن عقبة، وكان يدعوهم إلى الإسلام، فصار ابن أم مكتوم يقول للنبي: يا رسول الله علمني.

وذهب أكثر مفسري الشيعة الإمامية إلا شذاذاً منهم إلى أن الآيات لا يراد بها رسول الله ، وإنما يراد بها غيره.

 
@ عدم نزول سورة عبس في رسول الله :

لقد ذهب الشيعة الإمامية إلى أن سورة عبس لم تنزل في رسول الله للأسباب التالية:

1- أن هذه الآيات ليس فيها أي تصريح بأن المعني بها هو رسول الله ، وضمير (عبس وتولى) غائب يمكن أن ينطبق على كل غائب، فلا يمكن حملها على النبي إلا بدليل صحيح عندنا، ولا دليل إلا روايات عند القوم غير معتبرة عندنا.

2- أن صيغة الخطاب في )عبس وتولى( جاء بنحو الغيبة، وقد قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: «إنه مبالغة في الزجر»، فكيف يمكن حمل هذا الزجر لرسول الله ؟

3- أن صفة العبوس ليست من صفات رسول الله ، فإنه لم يعبس في وجوه أعدائه فضلا عن أوليائه، ومن جاءه متعلماً مسترشداً.

4- أن التولي في كتاب الله صفة مذمومة جداً، يراد به في أكثر آيات القرآن: الكفر، كما ذكر ذلك أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط.

ومن الآيات التي ورد فيها وصف الكافرين بالتولي قوله تعالى:

)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ( (البقرة: 205)، وقوله سبحانه: )فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ((آل عمران:82)، وقوله تعالى: )مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ
عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ( (النساء:80)، وقوله جل شأنه: )فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا( (النجم:29)،   )إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ( (الغاشية:23)، )إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ( (الغاشية: 23،24)، ) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى( (طه:48)، )تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ( (المعارج:17).

5- أن الصفات الواردة في الآيات لا تنطبق على رسول الله الذي وصف الله سبحانه خلقه بأنه عظيم، حيث قال سبحانه: )وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( (القلم: 4)، وما ورد في الآيات لا يتلاءم مع صاحب خلق وصفه العظيم بأنه عظيم.

كما أن صفة التصدي والاعتناء بالأغنياء، والتلهي والتشاغل بما لا يفيد عن الفقراء المؤمنين الطالبين للاسترشاد والتعلم والتفقه لا تنطبق على رسول الله ص قطعا، لأن الله تعالى وصفه بغير ذلك، فقال: )لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ( (التوبة:128)

6- أن القوم رووا أن النبي كان يضرب، ويجلد، ويسب، ويلعن من لا يستحق شيئاً من ذلك كما هو مروي في صحيح مسلم عن عائشة، والعبوس في وجه الأعمى أمر يسير بالنسبة إلى تلك الأمور المحرمة العظيمة، فكيف لم يعاتب الله نبيه على الذنب والمعصية، وعوتب على الأمر اليسير؟

7- أنا لو سلمنا بوقوع ذلك من رسول الله فلا وجه للمعاتبة في ذلك بهذا النحو؛ لأن ذلك الأعمى كان قد أساء الأدب، والنبي مرب لأصحابه، فواجبه أن يبين له أن ما صدر من ذلك الأعمى كان خطأ، ولا سيما أن النبي كان مشغولا بهداية قوم آخرين ودعوتهم إلى الإسلام، فالداعي إلى العبوس كان موجودا، مع أن العبوس في وجه الأعمى لا يؤذيه، لأن الأعمى لا يفرق بين من عبس في وجهه ومن تبسم له، فكيف يعاتب النبي على أمر كهذا، في هذه الملابسات التي ذكرناها؟!

@ تعجب واستغراب:

أن القوم يصرون على أن هذه الآيات نزلت في رسول الله ، فيفتحون باب الطعن في رسول الله ، وفي نفس الوقت ينفون أن تلك الآيات نزلت في واحد من الصحابة، فلا أدري لم كل هذا الحرص على صيانة ذلك الصحابي دون رسول الله الذي هو أولى بأن نصونه ونذب عنه؟!