أسئلة بسيطة أجاب عليها الشيعة
بسم الله الرحمن الرحيم
وردت على موقعي في الانترنت مجموعة من الأسئلة التي وجهها بعض المخالفين لبعض الشيعة، معنونة بأنها أسئلة عجز الشيعة عن الرد عليها، وهذه هي الأسئلة وإجاباتي عليها.
■ السؤال الأول:
هل تؤمن أيها الشيعي بالقضاء والقدر؟
إن قلت نعم سأقول لك لماذ [كذا] تضرب نفسك وتجلد ظهرك وتصرخ وتبكي على الحسين؟
وإن قلت أنك لا تؤمن بالقضاء والقدر انتهى الأمر باعتراضك على قضاء الله وعدم رضاك بحكمته.
■ الجواب: أن الشيعة يؤمنون بالقضاء والقدر، وضرب الصدر والظهر فعل من الأفعال المتعلقة بالجوارح، وهو لا ينافي الإيمان بالقضاء والقدر الذي هو من أفعال القلب.
وبتعبير آخر: إن ضرب الصدر والظهر مسألة فقهية، لأن مسائل الفقه مرتبطة بأفعال المكلفين، وضرب النفس والظهر فعلان من الأفعال، وليس الضرب عقيدة من العقائد، لأن العقائد كما قلنا من أفعال القلوب لا الجوارح.
فإذا اتضح ذلك نقول: إن المسائل الفقهية يرجع فيها إلى أدلتها التي هي من اختصاص الفقهاء، ولا شأن للعوام بها، والخطأ فيها لا يستلزم ضلالاً، وإلا لكان كل الناس على ضلال، لأن كل فقيه لا يدعي لنفسه العصمة في استنباط الأحكام الشرعية.
وأما بكاء الشيعة على أهل البيت عليهم السلام فلا يتنافى مع إيمانهم بالقضاء والقدر، لأن المؤمن يجوز له أن يبكي عندما تصيبه مصيبة، فكيف لا يبكي على أعظم المصائب وأفدح النوائب؟
هذا مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد بكى في مواضع كثيرة.
منها: أنه صلى الله عليه وآله بكى عندما مات ابنه إبراهيم.
فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة. ثم أتبعها بأخرى فقال: صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. (صحيح البخاري 1/388، صحيح مسلم 4/1807).
ومنها: أنه صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل قتله في كربلاء.
فقد أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد 9/188 عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل علي أحد. فانتظرت فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت فقال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها. فأراها النبي صلى الله عليه وسلم فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرب وبلاء.
قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات.
ومنها: أنه صلى الله عليه وآله بكى على أمه آمنة بنت وهب لما زار قبرها.
فقد أخرج مسلم في صحيحه 2/671 بسنده عن أبي هريرة، قال: زار النبي صلى النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت.
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يؤمن بالقضاء والقدر لما بكى على ابنه إبراهيم وعلى الإمام الحسين عليهما السلام، وعلى أمه آمنة بنت وهب سلام الله عليها؟
هذا مع أن عائشة وبعض الصحابيات لطمن على رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته كما روي ذلك عن عائشة في مسند الإمام أحمد، أنها قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وآله بين سحري ونحري، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً، فمن سفهي وحداثة سنّي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قُبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألتدم مع النساء، وأضرب وجهي.
قال الألباني: وإسناده حسن. (إرواء الغليل 7/86).
ومعنى: «قمت ألتدم مع النساء» قمت ألطم وجهي.
قال الجوهري في الصحاح 5/2028: ولَدَمَتِ المرأةُ وجهها: ضربته... والْتِدامُ النساء: ضربهُنَّ صدورهن في النِياحة.
وقال ابن منظور في لسان العرب: والتَدَمَ النساءُ: إِذا ضربْنَ وُجوهَهنّ في المآتم، واللَّدْمُ: الضرْبُ، والتِدامُ النساء من هذا، واللَّدْمُ واللّطْمُ واحدٌ، والالْتِدامُ الاضْطراب، والْتِدامُ النساء: ضَرْبهُنّ صُدورَهنّ ووجوهَهن في النِّياحة. (لسان العرب 12/539).
وقول عائشة: «ألتدم مع النساء» ظاهر في أن بعض النساء الصحابيات كن يلطمن على رسول الله صلى الله عليه وآله؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يدّعي أن أولئك النسوة اللاتي كانت عائشة تلطم معهن على رسول الله صلى الله عليه وآله كن من نساء الكفار.
وفي حديث آخر أن عمر بن الخطاب قال: أتاني عبد الله بن عمر وأنا في بعض حشوش المدينة، فقال: إن النبي صلى الله عليه وآله طلَّق نساءه، قال عمر: فدخلت على حفصة وهي قائمة تلتدم، ونساء النبي صلى الله عليه وآله قائمات يلتدمن، فقلت لها: أطلقك النبي صلى الله عليه وآله؟ لئن كان طلقك لا أكلمك أبداً، فإنه قد كان طلَّقك فلم يراجعك إلا من أجلي... (كنز العمال 2/534).
فهل نساء النبي صلى الله عليه وآله والصحابيات الأخريات اللاتي لطمن على رسول الله صلى الله عليه وآله كن لا يؤمن بالقضاء والقدر؟ وهل كن يعترضن على ما قضاه الله تعالى، ولا يرضين به؟
■ السؤال الثاني:
من أمرك أيها الشيعي أن تفعل هذه الأفعال في عاشوراء؟
إن قلت: الله ورسوله أمراني بهذا سأقول لك أين الدليل؟
وإن قلت لي: لم يأمرك أحد سأقول لك هذه بدعة.
وإن قلت: أهل البيت أمروني سأطالبك أن تثبت من فعل هذا منهم؟
وإن قلت: أني أعبر عن حبي لأهل البيت فسأقول لك: إذاً كل المعممين يكرهون أهل البيت لأننا لا نراهم يلطمون وأهل البيت يكرهون بعضهم بعضاً لأنه لا يوجد أحد منهم لطم وطبر على الآخر.
■ الجواب: أما بكاء الشيعة على الإمام الحسين عليه السلام فقد وردت روايات صحيحة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل قتله بسنين كثيرة.
منها: ما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/188 عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل علي أحد. فانتظرت فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت فقال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها. فأراها النبي صلى الله عليه وسلم فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرب وبلاء.
قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات.
ومنها: ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187عن نجي الحضرمي، أنه سافر مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى عليٌّ: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال، فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم. قال: فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.
قال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا.
وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 9/318: رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وأبو يعلى، بسند صحيح.
ومنها: ما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد: عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل عليَّ أحد، فانتظرت فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فأطلت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، قال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرب وبلاء ، وفى رواية: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض كرب وبلاء.
قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات.
مضافاً إلى ورود روايات كثيرة من طرق أهل البيت عليهم السلام تحث على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام.
منها: صحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. (كامل الزيارات: 207).
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسَّه أذى فينا، فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار. (كامل الزيارات: 201).
مضافاً إلى أن البكاء ـ وكذلك لطم الصدور ـ تعبير عن الحب والموالاة للإمام الحسين عليه السلام، مع ما فيهما من الإنكار على من أمر بقتل الإمام الحسين ومن شرك في قتله عليه السلام.
وأما من طبر أو ضرب نفسه بالسلاسل فهو إنما فعل ذلك لإحياء ذكر ما وقع على الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه من الظلم والقتل، ولئلا تغيب هذه الظلامة عن الأذهان مع مرور الأيام وتعاقب الأزمان، مع ما في هذه الممارسات من التعبير عن حب الإمام الحسين عليه السلام، وموالاته، والإعلان عن صحة موقفه عليه السلام، بل الدلالة على أن موقفه عليه السلام هو الموقف الأمثل الذي يقتبس منه كل مؤمن منهاجا في حياته لئلا يخذل الحق، ويعين الظالمين المنحرفين.
وأما قول المخالف: إن (كل المعممين يكرهون أهل البيت؛ لأننا لا نراهم يلطمون، وأهل البيت يكرهون بعضهم بعضاً؛ لأنه لا يوجد أحد منهم لطم وطبر على الآخر) فهو هراء؛ لأننا لو سلمنا جدلاً أن العلماء لا يلطمون ولا يطبرون، لكونهما أمرين جائزين غير واجبين، فإن حب أي شيعي للإمام الحسين عليه السلام ليس متوقفاً على اللطم أو التطبير عليه، ومن أحب الإمام الحسين عليه السلام يمكنه أن يعبر عن حبه بألف طريقة وطريقة، ولا ينحصر التعبير عن حبه له في اللطم والتطبير كما هو واضح جلي لكل ذي عينين.
■ السؤال الثالث:
هل خروج الحسين لكربلاء وقتله هناك عز للإسلام والمسلمين أم ذل للإسلام والمسلمين؟
إن قلت عز للإسلام سأقول لك ولماذ [كذا] تبكي على يوم فيه عز للإسلام والمسلمين أيسوؤك أن ترى عز [كذا] للإسلام؟
وإن قلت ذلاً للإسلام والمسلمين سأقول لك وهل نسمي الحسين مذل الإسلام والمسلمين؟
(لأن الحسين في معتقدك أيها الشيعي يعلم الغيب، ومنها يكون الحسين قد علم أنه سيذل الإسلام والمسلمين).
■ الجواب: أن موقف الإمام الحسين عليه السلام كان عزًّا للإسلام، ولكن بقتله انثلم الإسلام وذل المسلمون.
أي أن الإمام الحسين عليه السلام كان معزا للإسلام، وقد ضحى بنفسه الطاهرة، وبأبنائه، وإخوته، وأبناء عمومته، وأصحابه، ورضي بسبي نسائه، من أجل إعزاز دين الله تعالى.
إلا أن مواقف الذين حاربوه لما قتلوه انثلم الإسلام، وانمحق الحق، لأنهم خذلوا أولياء الله، ونصروا أعداءه.
والشيعة لا يبكون على الإمام الحسين عليه السلام إلا لمحبتهم وموالاتهم له، وللتأكيد على أنهم يسيرون على منهاجه، وأنهم يرون صحة موقفه، وينكرون جرائم أعدائه المحاربين له، ويتبرؤون منهم، ومن أشياعهم، وأتباعهم، ومن كان على طريقتهم، لا أنهم يبكون على اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام والمسلمين.
ولا منافاة بين كون الإمام الحسين أعز الله تعالى به الإسلام وبين البكاء عليه، فإن من ضحى بنفسه في سبيل الله وكانت مواقفه عزًّا للإسلام والمسلمين، لا محذور في البكاء عليه محبة له، وتأييداً لمواقفه، وإحياء لأمره.
■ السؤال الرابع:
ما لذي استفاده الحسين رضي الله عنه من الخروج لكربلاء والموت هناك؟
إن قلت خرج ليثور على الظلم فسأقول لك: ولماذا لم يخرج أبوه علي بن أبي طالب على من ظلموه؟ إما أن الحسين أعلم من أبيه أو أن أبيه [كذا] لم يتعرض للظلم أو أن علي [كذا] لم يكن شجاعاً ليثور على الظلم؟
ولماذا لم يخرج أخوه الحسن على معاوية بل صالحه وسلمه البلاد والعباد فأي الثلاثة كان مصيباً؟
■ الجواب: أن الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج إلى كربلاء لكي يستفيد أمراً دنيويا، وإنما خرج ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الخير.
وكم أتعجب من هذا المخالف الذي ينكر خروج الإمام الحسين عليه السلام على يزيد الفاسق الفاجر المعلن بالفسق والفجور، ولا ينكر على عائشة خروجها ضد خليفة المسلمين الحق، مع أن الله تعالى قال في كتابه العزيز مخاطباً لنساء النبي صلى الله عليه وآله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (الأحزاب: 33)، ومع ذلك فإن عائشة خرجت على الخليفة الحق شاقة للطاعة ومفارقة للجماعة، مخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وآله.
وأما الإمام الحسين عليه السلام فإن الله ورسوله لم ينهياه عن الخروج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما أمراه بذلك، ويكفي من فوائد نهضته المباركة عليه السلام ما أعقب مصرعه الشريف من النتائج العظيمة، التي منها سقوط المكانة الدينية عند المسلمين ليزيد ولكل سلاطين الجور الذين جاؤوا بعده، وصار المسلمون منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا ينظرون إلى الحكام والخلفاء على أنهم حكام سياسيون فقط، لا تؤخذ منهم معالم الحلال والحرام كما كانوا يصنع الناس من قبل مع الخلفاء السابقين الذين كانت لهم سلطة دينية وسياسية، ولهذا لم يتحرف ما تبقى من أحكام الشريعة، ولولا ذلك لقام باقي الخلفاء بتحريف كل أحكام الدين، وتبديلها، حتى لا يبقى من أحكام الشريعة شيء يذكر.
وأما سبب عدم قيام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والإمام الحسن بن علي عليهما السلام ضد حكام عصرهم فلأن المصلحة كانت تقتضي ذلك، وكانا عليهما السلام أعرف بما تقتضيه المصلحة منا نحن، ولهذا عملا بما يمليه عليهما الواجب الشرعي، فموقفهما صحيح باتفاق الشيعة وأهل السنة، ولا سيما أن أهل السنة فتحوا باب الاجتهاد للصحابة على مصراعيه، فلنا أن نقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام وابنه الإمام الحسن عليه السلام قد اجتهدا في مواقفهما، فإن أصابا كما هو الحق فلهما أجران، وإن أخطأا ـ وحاشاهما من الخطأ ـ فلهما أجر واحد، فهما مأجوران على كل حال.
وكم أتعجب من هؤلاء المخالفين الذين لم يخطئوا طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم من الصحابة الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أحد الخلفاء الراشدين عندهم، بل برروا ما صدر منهم بأنهم اجتهدوا فأخطؤوا، فلهم أجر واحد، ولكن في نفس الوقت نراهم لا يترددون في تخطئة الإمام الحسين عليه السلام في عدم بيعته ليزيد بن معاوية الفاسق الفاجر، ولم يروا أنه اجتهد فله أجر أو أجران، فلا أدري لم يكيلون بمكيالين؟
وأما قول المخالف: (ولماذا لم يخرج أبوه علي بن أبي طالب على من ظلموه؟... ولماذا لم يخرج أخوه الحسن على معاوية، بل صالحه) فجوابه أن زمان الإمام الحسين عليه السلام مختلف عن زمان أمير المؤمنين عليه السلام وزمان أخيه الإمام الحسن بن علي عليه السلام، وكل زمان له ما يناسبه، واختلاف المواقف لا يدل على خطأ أي منها؛ لأن اختلاف المواقف كان تبعا لاختلاف الأحوال والملابسات.
ومما يدل على أن الإمام الحسين عليه السلام كان مصيباً في نهضته أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر الناس قبل قتل الإمام الحسين عليه السلام بستين سنة بأنه عليه السلام مقتول في كربلاء لا محالة، وروايات أهل السنة في هذا المضمون كثيرة.
منها: ما أخرجه الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لقد دخل عليَّ البيت ملَك لم يدخل عليَّ قبلها، قال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يُقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
ومنها: ما أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وغيرهم عن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، نادى علي: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام قبل، فحدثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم. قال: فمد يده، فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا.
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق أن النبي صلى الله عليه وآله خطب الناس ذات يوم فقال: ألا وإن جبريل قد أخبرني بأن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله إلى آخر الدهر. ثم نزل عن المنبر، ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا واستيقن أن الحسين مقتول.
إلى غير ذلك من الروايات الصحيحة المستفيضة، التي رواها أهل السنة والشيعة، وصحَّحها حفاظ الحديث من أهل السنة، والتي تدل بوضوح على أن النبي صلى الله عليه وآله يصحح موقف الإمام الحسين عليه السلام في نهضته، وذلك لأنه إذا كان خروج الإمام الحسين عليه السلام مفسدة أو خطأ أو لا فائدة فيه كما يزعم بعضهم، فإن النبي صلى الله عليه وآله الذي أخبر صحابته بأن الحسين عليه السلام يُقتل بأرض تسمَّى كربلاء، لا بد أن ينهى الإمام الحسين عن الخروج، أو يأمر أصحابه بالحيلولة دون خروجه عليه السلام إلى كربلاء، إلا أنه لم يرد في أي حديث من تلك الأحاديث نهي منه عن ذلك، ولم يقل صلى الله عليه وآله أي كلمة تشعر بكراهته صلى الله عليه وآله لقيام الإمام الحسين عليه السلام.
وبعض الأحاديث التي تضمنت أنه صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام وأبكى الناس عليه، تدل على أن خروجه عليه السلام كان صحيحاً عند رسول الله صلى الله عليه وآله، بل فيه منفعة عظيمة للدين ومصلحة جليلة لعامة المسلمين، ولولا ذلك لما بكاه النبي صلى الله عليه وآله مراراً قبل وقوع هذه الحادثة بسنين كثيرة.
وحديث نجي الحضرمي المتقدم ذكره آنفاً، ورد فيه قول أمير المؤمنين عليه السلام: (اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات)، وهذا دليل واضح على أن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً كان لا يرى أي خطأ أو مفسدة في خروج الإمام الحسين عليه السلام، بل كان عليه السلام يحث ابنه الإمام الحسين عليه السلام على ذلك، ويأمره بالصبر على ما يصيبه من البلاء والقتل.
وإني أتعجب كثيراً ممن يخطئ الإمام الحسين عليه السلام في نهضته مع اعترافه بأنه أحد سيدي شباب أهل الجنة كما دلت عليه الأحاديث المتواترة، التي نص جملة من حفاظ الحديث من أهل السنة على تواترها.
فإذا كان الإمام الحسين عليه السلام أحد سيدي أهل الجنة فكيف يمكن اتهامه بأنه فرَّق المسلمين، أو شقَّ عصا الطاعة، أو أنه خرج على إمام زمانه، أو طلب ما ليس له بحق، أو ما شاكل ذلك من الأباطيل التي لا يرتكبها آحاد المؤمنين، فهل يرتكبها سيد شباب أهل الجنة؟!
ثم إن من يشق عصا الطاعة أو يفسد في بلاد المسلمين يجب قتله، فلو كان الإمام الحسين عليه السلام شاقاً لعصا الطاعة الواجبة، أو مفسداً في بلاد المسلمين لوجب قتله، فكيف يمكن أن يكون عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وواجب القتل في نفس الوقت؟!
وهذا كله يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن نهضة الإمام الحسين عليه السلام كانت نهضة صحيحة مباركة، وأن كل ما يقال في تخطئته دوافعه أموية بحتة.
■ السؤال الخامس:
لماذا أخذ الحسين معه النساء والأطفال لكربلاء؟
إن قلت: أنه لم يكن [يعلم] ما سيحصل لهم سأقول لك لقد نسفت العصمة المزعومة التي تقول أن الحسين يعلم الغيب.
وإن قلت: أنه يعلم فسأقول لك هل خرج الحسين ليقتل أبناؤه؟
وإن قلت: أن الحسين خرج لينقذ الإسلام كما يردد علمائك [كذا] فسأقول لك: وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد الحسن؟ وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد علي؟
ولماذا لم يخرجا لإعادة الإسلام؟
فأما أن تشهد بعدالة الخلفاء وصدقهم ورضى [كذا] علي بهم أو تشهد بخيانة علي والحسن للإسلام.
■ الجواب: أن الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج محارباً حتى يقال: (لماذا اصطحب معه النساء والأطفال)، وإنما دعاه أهل الكوفة للبيعة، وتعهدوا له بالنصرة، فخرج ليستقر في الكوفة خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين، ولا سيما أن يزيد بن معاوية أمر ولاته بأخذ البيعة من الإمام الحسين عليه السلام أو قتله في المدينة أو مكة، وهذا كله يقتضي اصطحاب النساء والأطفال.
وقول المخالف: (إن قلت: أنه لم يكن [يعلم] ما سيحصل لهم سأقول لك لقد نسفت العصمة المزعومة التي تقول أن الحسين يعلم الغيب) مردود بأن العصمة ليست متوقفة على علم الغيب، ولا سيما في أمثال هذه الأمور، فإن عدم العلم بالحوادث المستقبلية لا ينافي العصمة، فإن موسى بن عمران عليه السلام لم يطلع على بعض الأمور التي أخبره بها الخضر بعد ذلك، وهذا لا ينافي عصمته.
وقول المخالف: (وإن قلت: أنه يعلم فسأقول لك هل خرج الحسين ليقتل أبناؤه؟) جوابه: أن الإمام الحسين عليه السلام كما قلنا فيما تقدم خرج إلى كربلاء ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأبناؤه وأصحابه شاركوه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن أعداءه هم الذين قتلوه وقتلوا أبناءه.
وكلام هذا المخالف يشبه ما احتج به معاوية بن أبي سفيان على أنه وأتباعه لم يقتلوا عمار بن ياسر، حيث زعم أن الذي قتل عماراً هو علي بن أبي طالب؛ لأنه ألقى عماراً بين سيوف جيش معاوية ورماحهم، وهذا من المغالطات المكشوفة التي لا تخفى على أحد، ولهذا ردَّ أمير المؤمنين عليه السلام كلام معاوية بأن ذلك يستلزم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة بن عبد المطلب؛ لأنه ألقاه بين سيوف الكفار ورماحهم، وهذا لا يقوله مسلم.
وأما قول المخالف: (وإن قلت: أن الحسين خرج لينقذ الإسلام كما يردد علمائك [كذا] فسأقول لك وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد الحسن؟ وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد علي؟ ولماذا لم يخرجا لإعادة الإسلام؟
فأما أن تشهد بعدالة الخلفاء وصدقهم ورضى [كذا] علي بهم أو تشهد بخيانة علي والحسن للإسلام).
فجوابه: أن الإسلام لم ينحرف في أي عصر، وإنما انحرف المسلمون عن الإسلام، وافترقوا عما أمرهم النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك به، وهم أهل بيته عليهم السلام.
ونحن قلنا فيما سبق: إن الإمام الحسين عليه السلام لم يخرج محارباً شاهراً سيفه، وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جدِّه صلى الله عليه وآله، ويزيد وواليه عبيد الله بن زياد خيَّرا الإمام الحسين عليه السلام بين بيعة يزيد أو القتال، وأما الخلفاء السابقون ليزيد فلم يصنعوا ذلك، وإنما قبلوا من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام ألا يشقا عصا الطاعة، وألا ينازعا الخلفاء في سلطانهم، ويزيد بن معاوية لم يرض بذلك، والإمام الحسين عليه السلام عرض على عمر بن سعد أن يتركه يرجع إلى المدينة، أو يتركه يمضي إلى يزيد، أو أن يذهب إلى أحد ثغور المسلمين، ولكن عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد رفضا ذلك، فلم يجد الإمام الحسين عليه السلام بدا من القتال، فاختلاف مواقف الخلفاء مع أهل البيت عليهم السلام اقتضى اختلاف مواقفهم عليهم السلام مع خلفاء عصرهم.
■ السؤال السادس:
من قتل الحسين؟
إن قلت يزيد بن معاوية سأطالبك بدليل صحيح من كتبك (لا تتعب نفسك بالبحث فلا يوجد دليل في كتبك يثبت أن يزيد قتل أو أمر بقتل الحسين).
وإن قلت شمر بن ذي الجوشن سأقول لك لماذا تلعن يزيد؟
إن قلت: الحسين قتل في عهد يزيد فسأقول لك: أن إمامك الغائب المزعوم مسؤول عن كل قطرة دم نزفت من المسلمين، ففي عهده ضاعت العراق وفلسطين وأفغانستان وتقاتل الشيعة وهو يتفرج ولم يصنع شيء [كذا].(الشيعة يعتقدون أن إمامهم الغائب هو الحاكم الفعلي للكون).
■ الجواب: أن الإمام الحسين عليه السلام لم يقتله شخص واحد حتى ينحصر القاتل في يزيد بن معاوية أو شمر بن ذي الجوشن فقط، وإنما شرك في دمه: يزيد بن معاوية باعتباره خليفة وآمراً بالقتل، وعبيد الله بن زياد؛ لأنه جهز الجيوش لقتل الإمام الحسين عليه السلام، وعمر بن سعد الذي كان قائد الجيش الأموي، وكل الذين حاربوا الإمام الحسين عليه السلام ومنهم شمر بن ذي الجوشن، فهؤلاء جميعاً عليهم اللعنة الأبدية لاشتراكهم في قتل الإمام الحسين عليه السلام وأبنائه وأصحابه.
ومن المضحك أن المخالف يطالب الشيعة بدليل من كتبهم يدل على أن يزيد بن معاوية كان آمراً بقتل الحسين عليه السلام، مع أن هذا الأمر متواتر بين المسلمين لا ينكره إلا مكابر، وكل المؤرخين من أهل السنة والشيعة اتفقوا على ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا مكابر ينكر الواضحات، ويرد المتواترات.
وأما قول المخالف: (إن قلت الحسين قتل في عهد يزيد فسأقول لك أن إمامك الغائب المزعوم مسؤول عن كل قطرة دم نزفت من المسلمين ففي عهده ضاعت العراق وفلسطين وأفغانستان وتقاتل الشيعة وهو يتفرج ولم يصنع شيء) فجوابه أنه لا شك في أن الإمام الحسين عليه السلام قتل في عهد يزيد بن معاوية وبأمره، ولا أظن منصفاً يزعم أن يزيد لم يكن آمراً ولا راضياً بقتل الإمام الحسين عليه السلام، أو أنه لم يعلم بما جرى في كربلاء إلا بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام.
إذن يزيد بن معاوية كان آمراً بقتل الحسين عليه السلام، وقد جيش الجيش الذي خرج لقتاله، وبهذا يندفع كل هذيان هذا المخالف فيما يتعلق بتحميل الإمام المهدي عليه السلام مسؤولية كل دم سفك في العراق أو فلسطين أو أفغانستان، لأن الإمام المهدي عليه السلام لم يكن آمراً ولا راضيا بسفك دماء الأبرياء في هذه البلاد.
وأما قول المخالف: (الشيعة يعتقدون أن إمامهم الغائب هو الحاكم الفعلي للكون) فهو كذب واضح، لأن الشيعة يعتقدون أن الإمام المهدي عليه السلام هو إمام هذا العصر الذي يجب على المسلمين مبايعته على السمع والطاعة كما تجب عليهم نصرته على أعدائه، إلا أن الأمور الآن ليست بيده، وإنما هي بيد غيره، ومن كانت الأمور بيده فهو الذي يتحمل مسؤولية ما يحدث في سلطانه وما يكون بأمره، وهذا أمر واضح لا حاجة لإطالة الكلام فيه.
■ السؤال السادس :
أيهما أشد على الإسلام والمسلمين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أم مقتل الحسين؟
إن قلت: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سأقول لك: لماذا لا نراكم تلطمون على النبي؟
وإن قلت: مقتل الحسين أشد ستثبت للناس أن النبي لا قدر له عندكم، وأنكم تفضلون عليه الحسين.
■ الجواب: أنه لا شك في أن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله كانت أم المصائب وأعظم النوائب على الإسلام والمسلمين، وما حدثت الفرقة والاختلاف والنزاع بين المسلمين إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا أمر معلوم لا نختلف فيه.
والبكاء على الإمام الحسين عليه السلام ولطم الصدور على مصابه لا يستلزم تفضيله على رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن المعلوم أن الشيعة يبكون على الإمام الحسين عليه السلام أكثر مما يبكون على أمير المؤمنين عليه السلام، كما أنهم يعتنون بزيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام أكثر من عنايتهم بزيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام، وسبب ذلك يعود إلى ما ورد في الروايات الصحيحة عندهم من شدة الحث على البكاء على الحسين عليه السلام، والتأكيد على زيارة قبره في مناسبات متعددة خلال العام.
فمما ورد في ثواب زيارته عليه السلام صحيحة بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: وكل الله تعالى بقبر الحسين عليه السلام سبعين ألف ملك شعثاً غبراً يبكونه إلى يوم القيامة، يصلون عنده، الصلاة الواحدة من صلاة أحدهم تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين، يكون ثواب صلاتهم وأجر ذلك لمن زار قبره عليه السلام. (كامل الزيارات: 235).
وصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام، فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عز وجل. (كامل الزيارات: 236).
وصحيحة ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. (كامل الزيارات: 263).
وقد ورد في ثواب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام روايات كثيرة ذكرنا جملة منها فيما سبق فراجعها.
منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذىً مسَّنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسَّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار (كامل الزيارات: 201).
فداعي الشيعة إذن من ممارسة كل هذه الأمور المتعلقة بالإمام الحسين عليه السلام هو الرغبة في تحصيل الثواب العظيم، بغض النظر عن التفضيل.
■ السؤال السابع:
الحسين رضي الله عنه (في دين الشيعة) يعلم الغيب كاملاً، فهل خرج منتحراً وأخذ معه أهله؟
إن قلت: نعم طعنت بالحسين، واتهمته بقتل نفسه وأولاده.
وإن قلت: لا نسفت عصمته، وأسقطت إمامته.
■ الجواب:
1- أن الشيعة الإمامية لا يعتقدون أن الإمام الحسين عليه السلام يعلم الغيب كاملاً كما زعم هذا المخالف؛ لأن علم الغيب مختص بالله تعالى كما دلت على ذلك آيات كثيرة.
منها: قوله تعالى: ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ ) [الأنعام:50].
قوله سبحانه: ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [الأنعام:59].
وقوله جل شأنه: ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [لأعراف:188].
وقوله تبارك وتعالى: ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) [هود:31].
( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) [النمل:65].
ولكن اختصاص الله تعالى بعلم الغيب لا يمنع من أن يظهر على غيبه من شاء من خلقه. قال تعالى: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) [الجن: 26، 27]. وقال سبحانه: ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود:49].
2- علم الإمام الحسين عليه السلام بأنه يُقتل في كربلاء وذهابه إلى هناك لا يعني أنه انتحر؛ لأن الإمام عليه السلام إنما قصد الكوفة ولم يقصد كربلاء، إلا أن جيش عمر بن سعد حال بينه وبين ما يريد، فحصره في كربلاء.
وذهاب الإمام عليه السلام إلى العراق كان لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا لأجل الموت هناك، مع أن الانتحار هو قتل النفس، والإمام الحسين عليه السلام لم يقتل نفسه، وإنما قتله جماعة من الظلمة الذين استحوذ عليهم الشيطان، رغم أن الإمام الحسين عليه السلام وعظهم وحذرهم مغبة ما أرادوا فعله، وحاول أن يحول بينهم وبين ما يريدون، ولا شك في أن من فعل ذلك لا يصدق عليه أنه انتحر كما هو واضح لكل منصف.
مضافاً إلى أن أهل السنة رووا في كتبهم روايات صحيحة مشتملة على إخبار النبي صلى الله عليه وآله بقتل الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.
منها: ما أخرجه أحمد في مسنده بسنده عن عائشة أو أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما: لقد دخل عليَّ البيت ملك، فلم يدخل عليَّ قبلها، قال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يُقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء. (مسند أحمد، مجمع الزوائد، قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
ومنها: ما أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما بأسانيدهم عن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام قبلُ فحدثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟. قلت: نعم، قال: فمدَّ يده، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتنا. (مسند أحمد، المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد، قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا).
ومنها: ما أخرجه الطبراني في الكبير بسنده عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل عليَّ أحد. فانتظرت فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمتُ حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، فقال: أفتحبّه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمَّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرْبٌ وبلاء. وفي رواية: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض كرب وبلاء. (مجمع الزوائد، قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات).
ومن الطبيعي أن يطلع الإمام الحسين عليه السلام على هذه الروايات التي تتعلق به، بل تتحدث على أمر مهم مرتبط به، فهل يعتقد هذا المخالف أن الإمام الحسين عليه السلام بوصفه صحابيا لا بوصفه يعلم الغيب قد انتحر بذهابه إلى كربلاء؟ أي هل يقول المخالف: إن الحسين عليه السلام الذي هو صحابي فقط بنظره يمكن أن ينتحر، فيكون من أهل النار؟
■ السؤال الثامن :
يقول علمائكم [كذا]: أن للأئمة ولاية تكوينية تخضع لسيطرتها جميع ذرات الكون، فهل كان شمر قاتل الحسين يخضع لولاية التكوينية؟
إن قلت: نعم، فهذا يعني أن الحسين مات منتحراً؛ لأنه لم يستخدم ولايته التكوينية.
وإن قلت: لا، لا يخضع كذّبت كل علمائك الذين أجمعوا على القول بالولاية التكوينة [كذا].
■ الجواب: أن الله تعالى هو المتصرف في جميع ذرات الكون، وهو المسيطر عليه سيطرة تامة، إلا أن الله سبحانه يمكن أن يجري الكرامات على أيدي حججه وأوليائه، فيقدرهم على ما لا يقدر عليه غيرهم، كما أقدر الله تعالى نبيه عيسى بن مريم عليه السلام على إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وكما أقدر آصف بن برخيا عليه السلام على الإتيان بعرش بلقيس في طرفة عين، وكما أقدر موسى بن عمران عليه السلام على شق البحر بعصاه، وهكذا.
فكما أقدر الله تعالى أنبياءه وحججه على تلك الأمور، فإن الله تعالى أقدر أئمة الهدى عليهم السلام على أمثالها.
وهذا المعنى ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى، فإنه قال: وفى الأثر: (من سرَّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله)، وعن سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان، وقال تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )، وقال: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ )، وهذا على أصح القولين في أن التوكل عليه بمنزلة الدعاء على أصح القولين أيضا سبب لجلب المنافع ودفع المضار، فإنه يفيد قوة العبد وتصريف الكون، ولهذا هو الغالب على ذوى الأحوال: متشرعهم وغير متشرعهم، وبه يتصرفون ويؤثرون، تارة بما يوافق الأمر، وتارة بما يخالفه. [مجموع الفتاوى 10/310].
إذا ثبت ذلك نقول: إن استخدام هذه القدرات مرتبط بمصالح نحن لا نعلمها، والأنبياء والأئمة عليهم السلام لا يستخدمون هذه القدرات والكرامات في كل مورد، ولهذا لم يستخدم موسى عصاه في إهلاك فرعون إلا بعد أن أمره الله تعالى بأن يضرب بعصاه البحر، فقال تعالى: ( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى ) [طه: 77]، وقال سبحانه: ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم ِ) [الشعراء: 63].
ولا شك في أن جملة من أنبياء الله تعالى قتلوا من قبل أقوامهم كما قال تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون َ) [آل عمران: 112] وقوله سبحانه: ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) [آل عمران:181]، وقوله عز من قائل: ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:155].
ولا شك في أن أنبياء الله تعالى وحججه عليهم السلام كانوا قادرين على دفع القتل عنهم بالمعجزات والكرامات، إلا أنهم عباد مخلصون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فهل عدم دفعهم القتل عن أنفسهم يقتضي كونهم منتحرين؟ هذا لا يقوله رجل فاضل.
وبه يتضح فساد قول المخالف: إن الإمام الحسين عليه السلام إذا لم يستخدم الولاية التكوينية فقد مات منتحراً.
■ السؤال التاسع :
في حفلات عاشوراء أقول حفلات لأن المعممين يأخذون أموالاً مقابل إحياء هذه الأيام مثل المطربين في حفلات الصيف، في حفلات عاشوراء هل أخذ المعمم والرادود للأموال مقابل أن يبكي أو يغني لكم هل نعتبره متاجرة بذكرى الحسين؟
إن قلت: نعم انتهى أمرهم.
وإن قلت: لا قلت لك: لماذا لا يبكون ويغنون مجاناً لو كانوا يحبون الحسين؟
■ الجواب: أن كل من عمل عملا محترما استحق عليه أجراً، وإلقاء المحاضرات من قبل الخطيب أو إلقاء الأناشيد الإسلامية من قبل الرادود عمل محترم عند الشيعة يستحقان عليه أجراً، بل حالهم أهون من حال إمام المسجد عند أهل السنة، والمؤذن، ومن يعتني بنظافة المسجد ورعايته، الذين يأخذون أجوراً على هذه الأمور، بل كل مشايخ أهل السنة في المملكة العربية السعودية كمثال يأخذون أجراً على أعمالهم الدينية، ابتداء من أئمة الحرم المكي والنبوي، وانتهاء بغيرهم من أئمة المساجد، وكذا القضاة، وكتاب العدل، ومأذونو الأنكحة، ومعلمو تحفيظ القرآن وتجويده، وغير ذلك، مع أن بعض هذه الأمور واجبات كفائية، كتولي القضاء، وما شاكل ذلك.
فكيف جاز لهؤلاء أن يأخذوا أجراً على أمور واجبة، ولا يجوز للخطيب أو الرادود الحسيني أن يأخذا أجراً على أمور مستحبة؟
وقول المخالف: (لماذا لا يبكون ويغنون مجاناً لو كانوا يحبون الحسين؟) جوابه أن إمام الحرم وأئمة المساجد أولى بألا يأخذوا أي أجر على الصلاة لو كانوا يحبون الله تعالى، فإن محبة الله أولى من محبة الإمام الحسين عليه السلام.
مع أن أخذ الأجر لا يتنافى مع محبة الإمام الحسين عليه السلام؛ لأن أخذ الأجر إنما هو من أجل الارتزاق فقط، ويكفي محبة للإمام الحسين عليه السلام أن الخطيب قد فرغ نفسه لهذه الخدمة دون غيرها من الأمور.
■ السؤال العاشر:
لماذا نرى من يلطم ويصرخ ويجلد نفسه بالسلاسل ويضرب رأسه بالسيف هم أنتم أيها البسطاء، بينما لم نرى [كذا] أصحاب العمائم يفعلون ذلك؟
إن قلت كلامي غير صحيح وهم يلطمون ويطبرون ويزحفون مثلكم طالبتك بالإثبات؟
وإن قلت: نعم هذا هو الواقع فسأترك ألف علامة استفهام في رأسك حول ولائهم ومحبتهم للحسين.
■ الجواب: أنا لو سلمنا أن العلماء وطلبة العلم لا يلطمون ولا يضربون أنفسهم بالسلاسل، ولا يطبرون فهذا لا يدل على عدم ولائهم لأهل البيت عليهم السلام، أو عدم ومحبتهم للإمام الحسين عليه السلام؛ لأن اللطم والضرب بالسلاسل والتطبير ليست أفعالاً واجبة عند الشيعة، وكل شيعي ليس مجبوراً على فعلها، فمن شاء فعلها ومن شاء تركها، فلا يلام من تركها سواء أكان من العلماء وطلبة العلم أم من غيرهم، ومن لم يقتنع بها فهو في سعة، فيجوز له تركها، والولاء لأهل البيت عليهم السلام ليس متوقفا على التطبير والضرب بالسلاسل واللطم حتى يلزم من عدم التطبير واللطم عدم الولاء للإمام الحسين عليه السلام.
■ السؤال الحادي عشر:
أنتم تصرخون في عاشوراء من كل عام: يا لثارات الحسين بإشارة واضحة منكم للانتقام ممن قتل الحسين! السؤال هنا: لماذا لم يأخذ الأئمة بثأر أبيهم من قتلته كما تزعمون؟
فهل أنتم أكثر شجاعة منهم؟
إن قلتم: نحن أكثر شجاعة انتهى الأمر.
وإن قلتم: لم يقدروا بسبب الأوضاع السياسية فسأقول لكم وأين الولاية التكوينية التي تخضع لسيطرتها جميع ذرات الكون؟ أم هي خرافة فقط في رؤوسكم؟
ثم من هم الذين ستأخذون ثأر الحسين منهم؟
■ الجواب: أن المخالف إذا كان يعيب من يقول: (يا لثارات الحسين) فإن بعض الصحابة قالوها، بل تعبدوا بها، ومنهم: سليمان بن صرد الخزاعي رضي الله عنه.
قال الذهبي: وقد كان سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري - وهما من شيعة علي ومن كبار أصحابه - خرجا في ربيع الآخر يطلبون بدم الحسين بظاهر الكوفة في أربعة آلاف، ونادوا: يا لثارات الحسين، وتعبدوا بذلك. (تاريخ الإسلام حوادث سنة 55 هـ ، ص 46).
وأما لماذا لم يثأر أئمة أهل البيت عليهم السلام للإمام الحسين عليه السلام، فنحن أوضحنا فيما تقدم أنهم عليهم السلام عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهم لم يؤمروا بأخذ الثأر بالسيف في زمانهم ممن قتل الإمام الحسين عليه السلام، لأي سبب كان، وسواء أكانت لهم ولاية تكوينية كما يقول الشيعة أم لم تكن لهم تلك الولاية فإنهم إذا لم يؤمروا بأخذ الثأر ممن قتل الإمام الحسين فلا حاجة للبحث في أنهم لماذا لم يُعملوا ولايتهم في أخذ الثأر، مع أنا ذكرنا في ضمن جواب عن سؤال سابق ما يتعلق باستخدام الأئمة الأطهار عليهم السلام للولاية التكوينية.
وكذلك الشيعة لم يؤمروا بأخذ الثار ممن قتل الإمام الحسين عليه السلام في عصر الغيبة، وإنما أمر بذلك الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره كما دلت على ذلك روايات الشيعة.
وأما الذين سيأخذ الإمام المهدي عليه السلام ثأره منهم فهو يعرفهم، ولا حاجة لأن يعرفهم المخالف، نسأل الله تعالى ألا يكون هذا المخالف منهم؛ لأن من رضي بعمل قوم شرك معهم.
■ السؤال الثاني عشر:
هذا السؤال موجه لمهدي الرافضة الهارب، لماذا أنت هارب حتى الآن هل أنت خائف من شيء؟ أم أنك خرافة؟ وهل صحيح أن ستخرج بقرآن جديد غير هذا القرآن؟
إن قلت أن [كذا] لست خائف [كذا] فسأقول لك ماذا تنتظر لتخرج؟
إن قلت: أنتظر أمر الله فسأطلب منك الدليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئاً إلا بينه لنا، إلا [إذا] كنت ستطعن في النبي فهذا أمر آخر.
عندما ألتقيك أيها الإمام الوهمي سأطلب منك إقامة مناظرة بيني وبينك في غرفة أنصار أهل البيت عليهم السلام في البالتوك.
■ الجواب: أن هذا السؤال بما أنه موجه لإمام الرافضة المهدي عليه السلام فنحن في سعة من الإجابة عليه، لأنه لم يوجه لنا والحمد لله رب العالمين، وسيشعر المخالف بالخجل إن كان يخجل من الإمام المهدي عليه السلام إذا رأى ألويته خفاقة في المشارق والمغارب، ورأى دولة العدل والحق قائمة وإن كره الكافرون والمنافقون.
إلا أنا مع ذلك نجيب عليه لنبين مقدار اقتدار الشيعة على الإجابة على كل ما يشكل على مذهبهم بخلاف المخالف وأتباعه الذين لم يستطيعوا لحد الآن أن يثبتوا مذهبهم من أحاديثهم، ولم يتمكنوا من الدفاع عنه.
والجواب على ما ذكره هذا المخالف هو أن الإمام المهدي عليه السلام ليس هارباً، كما هرب من هرب في أحد والخندق وخيبر، وإنما لم يفصح عن هويته للناس الذين يريدون به سوءاً، ولا يجب على المؤمن أن يظهر نفسه للناس إذا علم أن ذلك يضره ويضر الدين نفسه.
وإذا كان المخالف يرى أن كل من اختفى عمن يريد به سوءاً فهو هارب فيلزمه أن يقول بهروب الخضر عليه السلام، لأنه مختف من أكثر من ألفي عام، وهو حي إلى الآن.
فقد سئل ابن تيمية سؤالاً نصه: هل كان الخضر عليه السلام نبيًّا أو وليًّا؟ وهل هو حي إلى الآن؟ وإن كان حيًّا فما تقولون فيما روي عن النبي أنه قال: (لو كان حيًّا لزارني)، هل هذا الحديث صحيح أم لا؟
فأجاب ابن تيمية بجواب طويل جاء فيه: وأما حياته فهو حي، والحديث المذكور لا أصل له، ولا يعرف له إسناد، بل المروي في مسند الشافعي وغيره أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن قال: إنه لم يجتمع بالنبي فقد قال ما لا علم له به؛ فإنه من العلم الذي لا يحاط به، ومن احتج على وفاته بقول النبي: (أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد فلا حجة فيه؛ فإنه يمكن أن يكون الخضر إذ ذاك على وجه الأرض، ولأن الدجال وكذلك الجساسة الصحيح أنه كان حيا موجوداً. (مجموع الفتاوى 4/208).
فإشكاله على الإمام المهدي عليه السلام وارد على الخضر عليه السلام، وإلا فلا يرد على الاثنين.
مع أن ابن تيمية يعترف بنبوة الخضر (راجع مجموع الفتاوى 4/208)، فنحن نسأل هذا المخالف: لماذا لا يخرج الخضر إلى الناس ليرفع الاختلاف الحاصل بين المسلمين، ويقود المسلمين لتكون لهم العزة والكرامة والنصر على أعدائهم من اليهود والنصارى؟
وأما قول المخالف: (وهل صحيح أن ستخرج بقرآن جديد غير هذا القرآن؟) فجوابه أنا لا نمنع أن يخرج الإمام المهدي عليه السلام بقرآن مرتب على حسب النزول، أو مشتمل على تقديم المنسوخ على الناسخ، كما روى ذلك أهل السنة عن أمير المؤمنين عليه السلام.
فقد أخرج ابن سعد في الطبقات 2/338، وابن أبي داود في كتاب المصاحف: 16، وغيرهما عن محمد بن سيرين، قال: لمَّا توفي النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليٌّ عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا، ولكن آليت أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن. فزعموا أنه كتبه على تنزيله. فقال محمد: لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم. (راجع تاريخ الخلفاء: 173، الإتقان في علوم القرآن 1/127، حلية الأولياء 1/67).
وقال السيوطي: وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين، وفيه أنه [يعني عليًّا عليه السلام] كتَب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، وأن ابن سيرين قال: تطلَّبتُ ذلك الكتاب، وكتبتُ فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. (الإتقان في علوم القرآن 1/127).
أو أن الإمام المهدي عليه السلام سيأتي بالتفسير الصحيح للقرآن الكريم، ليدفع عنه تفسير الجاهلين والمشوشين والمغرضين، ويبين ما أراده الله تعالى، فيتراءى للناس كأنه كتاب جديد.
وأما قول المخالف: (إن قلت: أنا لست خائف، فسأقول لك: ماذا تنتظر لتخرج؟
إن قلت: أنتظر أمر الله، فسأطلب منك الدليل) فجوابه أن وقت خروج الإمام المهدي عليه السلام راجع إلى مصالح لا يعلمها إلا الله تعالى، والإمام المهدي عليه السلام لا يخرج بحسب ما يتراءى للناس، وإنما بأمر الله تعالى العالم بالمصالح والمفاسد.
والمضحك قول المخالف: (إن قلت: أنتظر أمر الله، فسأطلب منك الدليل)؛ لأن الإمام المهدي عليه السلام لا يجب عليه أن يثبت للمخالف هذا الأمر حتى يحق له أن يطالبه بدليل، وإنما يعمل الإمام المهدي عليه السلام بوظيفته الشرعية، رضي من رضي، وسخط من سخط، فليكن هذا المخالف وأضرابه من ضمن الساخطين.
ثم إن ما قاله هذا المخالف يرد على عقيدته في الإمام المهدي الذي يعتقد به هو ومن كان على مذهبه، فإنا نسأله: لماذا لحد الآن لم يخرج مهدي أهل السنة؟ ألم تمتلئ الأرض ظلما وجورا؟ فهلا اعترض هذا المخالف على حكمة الله تعالى، وطالب ربه بدليل يمنعه من بعث المهدي المنتظر الذي يعتقد به أهل السنة؟
وأما قول المخالف: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئاً إلا بينه لنا، إلا كنت ستطعن في النبي فهذا أمر آخر) فهو خلاف ما يصرح به أهل السنة من أن النبي صلى الله عليه وآله ترك الأمة ولم يبين لهم الخلفاء من بعده، وبسبب ذلك اختلف المسلمون في الخلافة إلى يومنا هذا، وحدثت الحروب بين الصحابة أنفسهم ومن جاء بعدهم بسبب اختلافهم في الخلافة، فلماذا لم يبين النبي صلى الله عليه وآله هذا الأمر المهم للأمة؟ ألا يرى المخالف أن هذا طعن في رسول الله صلى الله عليه وآله؟
ثم قال المخالف: أيها الشيعي لا أطلب منك إلا شيئاً واحداً فقط وهو أن تستخدم عقلك وتفكر ولا تسلمه للمعمم ليفكر نيابة عنك ويقرر لك مصيرك فيكفي أن المعمم سرق ومالك [كذا] وقد يكون سرق عرضك فاحفظ عقلك وفكر، فكر فقط !
وجوابه: أن الشيعي بحمد الله تعالى يستخدم عقله، ولكن غيره ليس كذلك، والدليل على ذلك هو هذه الأسئلة التي تنبئ عن رجل لا يستخدم عقله، وإنما يردد كلام المبغضين لأهل البيت عليهم السلام، نسأل الله السلامة والعافية، والحمد لله رب العالمين.
مع أن علماء الشيعة لم يمنعوا عوام الشيعة عن قراءة كتب أهل السنة، أو سماع محاضرات علمائهم، أو دخول مواقعهم على الانترنت، أو غرفهم على البالتوك، وأمروهم بأخذ مذهبهم بالدليل لا بالتقليد كما صرح بذلك علماء الشيعة في كتبهم الكلامية، وأما علماء المخالفين فإنهم حجروا على عوام أهل السنة كل تلك الأمور، وطالبوهم بتجميد عقولهم وعدم التفكير في اختيار المذهب الصحيح، وبهذا يتضح للجميع من الذين يستخدمون عقولهم ومن الذين عفى على عقولهم الغبار الكثيف!!
في 14 ربيع الأول 1431هـ علي آل محسن