دلالة آية التطهير على عصمة أهل البيت عليهم السلام

وردنا سؤال هذا نصه:

عندي شبهة أتمنى منك التفضل بالإجابة عليها، وهي:

الشيعة يستدلون بآية التطهير على عصمة أهل البيت مطلقاً، وأنهم لا رجس فيهم منذ الولادة، وهذا القول يمكن أن نرد عليه بــ:

أن الله سبحانه وتعالى قال: (إنما يريد الله ليذهب)، والإذهاب لغة هو الإزالة كما قال ابن منظور في لسان العرب ج1 ص393، وكذلك كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ) أي يزيلكم، وأيضاً قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) أي يزلن.

وإذا ثبت هذا، فقول الشيعة غير صحيح؛ لأن الإزالة لا تكون إلا لما هو موجود، ولو كان الرجس غير موجود فيهم لقال الله: (ليُبعد أو يصرف عنكم الرجس أهل البيت).

قد يقال: إن الله قال: (ليذهب عنكم) وليس: (منكم)، وهذا يدل على الدفع لا الرفع، أي أن الرجس ليس فيهم.

نقول: هذا الكلام غير صحيح؛ لأن (عن) تستخدم للرفع لغة، فالمريض يقول: اللهم أذهبْ عني المرض، أو اللهم شافني من المرض، والجبان يقول: اللهم أذهب عني الخوف، أو اللهم أرحني من الخوف.

واستخدام (عن) في إزالة ما هو موجود، موجود في بعض روايات الشيعة، كالرواية التي رواها الكليني في الكافي ج 4 ص 452:

عن أبي عبد الله قال: إذا أشرفت المرأة على مناسكها وهي حائض فلتغتسل، ولتحتش بالكرسف، ولتقف هي ونسوة خلفها، فيؤمِّنَّ على دعائها، وتقول: «اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، أو تسميتَ به لأحد من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، وأسألك باسمك الأعظم، وبكل حرف أنزلته على موسى، وبكل حرف أنزلته على عيسى، وبكل حرف أنزلته على محمد إلا أذهبت عني هذا الدم».

وأيضاً في مستدرك الوسائل للنوري ج 12 ص 15:

عن الصادق ، أنه قال: «قل عند الغضب: اللهم أذهب عني غيظ قلبي، واغفر لي ذنبي».

ولذلك نقول: إن استدلال الشيعة غير صحيح.

 

وقد أجبنا عن هذه الشبهة بما يلي:

المراد بالرجس هو الشك والإثم، وإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم منه يعني عدم وقوع ذلك منهم، لا رفعه عنهم بعد وقوعه منهم، وهذا دليل على عصمة من نزلت فيهم الآية.

ويمكن استفادة المعنى الذي ذكرناه للرجس من كلمات مفسِّري أهل السنة.

قال البغوي في تفسيره 6/350: أراد بالرجس: الإثم الذي نهى الله النساء عنه، قاله مقاتل. وقال ابن عباس: يعني: عمل الشيطان، وما ليس لله فيه رضا، وقال قتادة: يعني: السوء. وقال مجاهد: الرجس: الشك.

وقال البيضاوي: الرجس: الذنب المدنِّس لعرضكم.

وقال الفخر الرازي: وقوله تعالى: (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: 33] فيه لطيفة، وهي أن الرجس قد يزول عيناً ولا يطهر المحل، فقوله تعالى: (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) أي يزيل عنكم الذنوب، (وَيُطَهِّرَكُمْ) أي يلبسكم خلع الكرامة. (التفسير الكبير 12/350).

قلت: فإذا كان المراد بالرجس هو الإثم، فإن إذهاب الرجس في الآية: هو الحيلولة دون وقوعه (وهو الدفع)، لا إزالته بعد وقوعه (وهو الرفع).

بمعنى أنه ينبغي التفريق بين دفع الرجس، ورفعه، فإن الرفع هو إزالة ما كان موجوداً، وأما الدفع فهو الحيلولة دون وقوعه، وإذهاب الرجس في الآية محمول على الدفع، وعلى الحيلولة دون وقوعه، وإلا لو كان المراد بالإذهاب رفع ما كان موجوداً، لما كان للآية معنى صحيح؛ لأنه لا يراد بالرجس في الآية القذارات الحسية والنجاسات العينية ليتحقق الرفع فيها، فإن النجاسات هي التي يمكن إزالتها بعد وقوعها، فتطهر الأعضاء النجسة بالماء ونحوه، وأما الرجس الذي هو الآثام والمعاصي فرفعه بعد وقوعه غير ممكن؛ لأنه حدث فصار من الماضي الذي لا سبيل لتبديله فضلاً عن رفعه، وكل ما يمكن أن يكون إنما هو رفع المؤاخذة على تلك الآثام والمعاصي، ويمكن لكل مكلف أن يسعى لرفع المؤاخذة على آثامه وذنوبه ومعاصيه إذا تاب عنها، فلو كان المراد بإذهاب الرجس هنا هذا المعنى لما كان في الآية أي اختصاص لأهل البيت عليهم السلام، ولما كان في إذهاب الرجس عنهم بهذا المعنى أي امتنان إلهي أو تشريف رباني، فلا تكون الآية دالة على أي فضل لأهل البيت عليهم السلام على من عداهم.

ولأجل ذلك لا مناص من حمل إذهاب الرجس في الآية المباركة على دفع الآثام قبل وقوعها، وهذا هو معنى العصمة.

وقد أشار إلى هذا المعنى الذي قلناه الفخر الرازي في تفسيره حيث قال: وشبهة المخالف أن الوضوء يسمى طهارة، والطهارة لا تكون إلا بعد سبق النجاسة، وهذا ضعيف؛ لأن الطهارة قد تستعمل في إزالة الأوزار والآثام، قال الله تعالى في صفة أهل البيت: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، وليست هذه الطهارة إلا عن الآثام والأوزار. (التفسير الكبير 16/25).

والتعبير بإذهاب الرجس في الآية دون ذهابه إنما هو للدلالة على أن هذا التطهير إنما هو من الله تعالى، وأنه مما امتن به على أهل البيت عليهم السلام بإرادته التكوينية، ولولا هذا الامتنان لكان أهل البيت عليهم السلام كغيرهم من الناس في وقوع المعاصي منهم بلحاظ طبيعتهم البشرية التي تستلزم عادة الميل للشهوات واتباع تسويلات الشيطان ووساوسه، التي تفضي عادة إلى ارتكاب الذنوب والوقوع في المعاصي.

وصحة استعمال الإذهاب في رفع ما هو موجود، لا تعين استعماله في هذا المعنى فقط، لأنه كما يصح ذلك يصح أيضاً أن يكون الإذهاب لدفع ما لم يكن، ولهذا فإن من قال: «اللهم أذهب عني الكسل، والسآمة، والفترة، والقسوة، والغفلة، والغرة، والعلل، والهموم، والأحزان، والأمراض، والخطايا، والذنوب، والسوء، والفحشاء، والجهل، واللهو، والتعب، والعناء، وهمز الشيطان، ونفثه، ونفخه، ووسوسته، وتثبيطه، وكيده، ومكره، وخيله، وحيله، ورجله» وما شاكل ذلك، وأراد بإذهاب كل هذه الأمور الحيلولة دون وقوعها، فإن دعاءه صحيح.

والنتيجة أن ما قاله الشيعة في تفسير الآية المباركة وأنها دالة على عصمة من نزلت فيهم الآية صحيح لا إشكال فيه، وبه يتبين بوضوح أن ما زعمه أهل السنة من أن (أهل البيت) في الآية شامل لنساء النبي غير صحيح؛ لاتفاق الأمة على أن نساء النبي لسن بمعصومات، والآية إنما عنت المعصومين فقط، والحمد لله رب العالمين.