هل يجب قضاء الصلوات على التائب؟

سؤال: أنا كنت معتادة ألا أصلي الصلوات اليومية كاملة في كل يوم، فلا بد أن أترك صلاة من الصلوات الخمس. وهكذا استمر بي الحال، ولكن الآن قد كبرت سني، وقد سمعت عن ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، فأصبحت خائفة أن يباغتني الموت وأنا على هذه الحالة، فأذهب إلى نار جهنم، وأنا الآن أريد أن أصلح حالي، وأترك الوساوس التي تنتابني، وقد بدأت فعلاً منذ هذا اليوم، وسؤالي هو:

هل يغفر الله تعالى لي إذا تبت من ذنوبي؟ وهل يجب عليَّ أن أقضي الصلوات الفائتة، ولا سيما أني لا أعلم كم من الصلوات فاتني؟

الجواب: لا شك في أنك إذا تبتِ إلى الله تعالى توبة خالصة نصوحاً فإنه سبحانه يغفر ذنوبك كاملة، كما قال سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم: 8].

وقال عز من قائل: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى: 25].

وروى الكليني قدس سره عن جابر عن أبي جعفر قال: سمعته يقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. (الكافي 2/435).  

ولكن يجب عليك أيتها التائبة لكي تكون توبتك نصوحاً خالصة لوجهه الكريم سبحانه، أن تتداركي ما فاتك من صلاة، وصوم، وحج وغير ذلك مما كان واجباً عليك، ولم تأتي به على وجهه الصحيح.

وهذا الحكم مما اتفق عليه جميع المسلمين سواء كانوا من الشيعة أم من أهل السنة، للروايات الكثيرة الدالة على ذلك، وخالف فيه ابن تيمية وأتباعه من السلفيين، فلم يوجبوا القضاء على من ترك الصلاة متعمداً ومن غير عذر، وحجتهم في ذلك أن من ترك الصلاة فقد كفر، وخرج عن الإسلام، فإذا تاب، رجع إلى الإسلام، فلا يجب عليه قضاء الصلوات السابقة، لأن الإسلام يَجُبُّ - أي يقطع ويمحو - ما قبله من المعاصي والذنوب.

وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال جاء فيه: آمل منكم إفتائي في كيفية قضاء الصلاة إذا تُركت عمداً وليس سهوا؛ لأنني كنت لا أصلي خلال تلك المدة التي أمضيتها في أمريكا، فكيف أقضي تلك الصلاة والصيام؟

فجاء الجواب بما يلي: إذا كان الواقع كما ذكرت من التوبة وسلوكك طريق الهدى فليس عليك قضاء ما تركته عمداً من الصلاة والصيام؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر ورِدَّة عن الإسلام وإن لم يجحد التارك وجوبها في أصح قولي العلماء، والمرتد إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة والصيام في ردته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها»... (فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء والإرشاد 6/41).

وأما غير السلفيين فذهبوا إلى أن تارك الصلاة ليس بكافر، ولم يرتد عن دينه إلا إذا جحد وجوب الصلاة، وإنما هو فاسق عاصٍ، فإذا تاب زال فسقه، وعليه أن يقضي ما فاته من صلاة وغير ذلك.

وقد جاء في نهج البلاغة، أن رجلا قال بحضرة أمير المؤمنين عليه السلام: « أستغفر الله»، فقال له عليه السلام: ثكلتك أمك، أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع على ستة معان:

أولها: الندم على ما مضى.

والثاني: العزم على ترك العود إليه أبداً.

والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.

والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيَّعتها، فتؤدِّي حقها.

والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت، فتذيبه بالأحزان، حتى تلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد.

والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية. فعند ذلك تقول: أستغفر الله. (نهج البلاغة: 419).

ثم إن التارك للصلاة إذا قضى ما عليه من صلاة فإنه يبرئ ذمته من جهة، ويكسب ثواباً من جهة أخرى، ويتأكد من نفسه أن فعلاً تائب لله تعالى أم لا، ويكفي هذا في فوائد القضاء.