هل اسم الإمام المهدي عليه السلام: محمد بن عبد الله؟

 

يظن بعضهم أن المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف اسمه محمد، واسم أبيه هو: عبد الله.

وهذا الظن راجع إلى وجود بعض الأحاديث التي تدل على ذلك.

منها: ما أخرجه أبو داود بسنده عن عبد الله: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي. زاد في حديث فطر: يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً. (سنن أبي داود 4/106).

 

ولكن عندما نتأمل هذا الحديث نلاحظ عليه عدة أمور:

 1- أن هذا الحديث ورد بصيغ مختلفة كما سيأتي، وهو لم يصل إلى درجة الصحَّة، بل أكثر ما يقال فيه عندهم: (إنه حديثٌ حسَنٌ)، فلا يصحّ أن نثبت لأجله عقيدة مهمة، وأن نردّ كل الأدلة العقلية والنقلية الدالة على أن المهدي المنتظر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام، أو نتجاهل كل الإشكالات الواردة على إنكار أنه عليه السلام هو الإمام المهدي، والتي ذكرتها في كتابي (من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟).

 

 2- أن الحديث الذي ورد فيه قوله: «واسم أبيه اسم أبي» كل طرقه تنتهي إلى عاصم بن أبي النجود صاحب القراءة المشهورة، وهو معروف عندهم بسوء حفظه.

وإليك ما قالوه فيه:

قال الذهبي: ثَبْتٌ في القراءة، وهو في الحديث دون الثَّبْت، صدوق يهم.

وقال يحيي القطان: ما وجدتُ رجلاً اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ.

وقال النسائي: ليس بحافظ.

وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.

وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.

وقال شعبة: حدَّثَنا عاصم بن أبي النجود وفي النفس ما فيها.

وقال ابن سعد: ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.

وقال أبو حاتم: ليس محله أن يقال: ثقة. (راجع هذه الأقوال في ميزان الاعتدال 4/13-14).

وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وهو ثقة.

وقد تكلَّم فيه ابن علية، وقال: كان كل من اسمه عاصم سيِّئ الحفظ.

وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ. (تهذيب التهذيب 5/35-36).

فإذا كان هذا هو حال راوي هذا الحديث، فكيف يعوَّل على روايته في مسألة مهمة، مع وضوح الأدلة الأخرى الدالة على أن المهدي المنتظر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام؟

 

 3- أن الرواية عن عاصم قد اختلفت من هذه الناحية، فمنهم من رواها عنه من دون ذكر: «واسم أبيه اسم أبي»، ومنهم من رواها عنه مشتملة على هذه الزيادة.

فقد أخرج الترمذي  بسنده عن سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي.

وأخرج أيضاً بسنده عن سفيان الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي. (سنن  الترمذي 4/505. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح).

والذين رووا هذا الحديث عن عاصم خالياً من قوله: «واسم أبيه اسم أبي» كثيرون، منهم:

1- محمد بن إبراهيم أبو شهاب: في صحيح ابن حبان 13/284، وموارد الظمآن 2/839.

2- عثمان بن شبرمة: في صحيح ابن حبان 15/238، وموارد الظمآن 2/839.

3- حميد بن أبي غنية: في المعجم الأوسط للطبراني 5/135.

4- أبو الأحوص سلام بن سليم: في المعجم الصغير للطبراني 2/148، والمعجم الكبير 10/136.

5- عمرو بن مرة: في المعجم الكبير للطبراني 10/131.

6- الأعمش: في المعجم الكبير للطبراني 10/133.

7- أبو إسحاق الشيباني: في المعجم الكبير للطبراني 10/133.

8- عبد الله بن حكيم بن جبير: في المعجم الكبير للطبراني 10/134.

9- شعبة: في المعجم الكبير للطبراني 10/134.

10- سفيان الثوري: في سنن أبي داود 4/107، والمعجم الكبير للطبراني 10/134.

11- سفيان بن عيينة: في مسند أحمد 1/376، 430، والمعجم الكبير للطبراني 10/134.

12- عبد الملك بن أبي غنية: في المعجم الكبير للطبراني 10/134.

13- عمر بن عبيد الطنافسي: في مسند أحمد 1/376، 448، والمعجم الكبير للطبراني 10/135.

14- واسط بن الحارث: في المعجم الكبير للطبراني 10/135.

15- أبو بكر بن عياش: في المعجم الكبير للطبراني 10/136.

16- معاذ بن هشام عن أبيه: في المعجم الكبير للطبراني 10/133.

17- عمرو بن قيس: في المعجم الكبير للطبراني 10/137.

18- عبد الله بن شبرمة: في المعجم الكبير للطبراني 10/137.

وبعض الرواة الآخرين الذين رووا هذا الحديث عن عاصم مشتملاً على هذه الزيادة، رووه أيضاً عنه خالياً منها، ومن هؤلاء:

1-    عمر بن عبيد: روى الحديث بالزيادة في سنن أبي داود 4/106، ورواه بدونها كما تقدم في الرقم 13.

2-    أبو بكر بن عياش: رواه بالزيادة في سنن أبي داود 4/106، ورواه بدونها كما مرَّ في رقم 15.

3-    سفيان: رواه بالزيادة في سنن أبي داود 4/106، وصحيح ابن حبان 15/236، وبدونها كما مرَّ في 10، 11.

4-    عمرو بن أبي قيس: رواه بالزيادة كما في المعجم الكبير للطبراني 10/135، وبدونها كما مرَّ في رقم 17.

فإذا كان هذا هو حال الرواية في الاضطراب، فكيف يصح التعويل علىها في إثبات اسم والد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام؟

 

4- أن هذه الرواية رواها رواة آخرون غير عاصم بن أبي النجود خالية من قوله: «واسم أبيه اسم أبي».

فقد أخرج البزار في مسنده 8/258 بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا مُلئتْ جوراً وظلماً بعث الله رجلاً مني، اسمه اسمي، أو اسمه اسم أبي، يملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئتْ جوراً وظلماً...

وأخرج الهيثمي في زوائده بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا مُلئتْ جوراً وظلماً بعث الله عزَّ وجل رجلاً مني، اسمه اسمي، أو اسم نبي، يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ جوراً... (مسند الحارث (زوائد الهيثمي) 8/258. إتحاف الخيرة المهرة 10/281).

 

 5ـ لو سلَّمنا بصحَّة هذه الرواية فإنه يمكن حملها على أن المراد بالاسم فيها هو الكنية، فربما أُطلق الاسم وأُريد به الكنية.

فقد أخرج البخاري في صحيحه 4/1976 بسنده عن سهل بن سعد، قال: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإنْ كان ليفرح به إذا دُعي بها.

وفي صحيح مسلم 4/1874 قال سهل: ما كان لعلي اسم أحبَّ إليه من أبي التراب، وإنْ كان ليفرح إذا دُعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصته لم سُمِّي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليًّا في البيت...

إلى أن قال: فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقِّه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: قم أبا التراب، قم أبا التراب.

ومن الواضح أن (أبا تراب) كنية؛ لأن الكنية هي كل ما صُدِّر بأب أو أم، ولهذا قال ابن حجر في فتح الباري 11/58: قوله: (باب القائلة في المسجد) ذكر فيه حديث علي في سبب تكنيته أبا تراب.

وعليه فيكون المراد بالحديث هو أن كنية والد الإمام المهدي عليه السلام هي مثل كنية والد النبي صلى الله عليه وآله، فكلاهما أبو محمد.

ومن الواضح أن قوله: «يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي»، عبارة طويلة غير صريحة في بيان الاسم، ومن السهل إيجازها بما هو أبلغ منها وأصْرَح، كقوله: «اسمه محمد بن عبد الله، أو محمد بن الحسن»، إلا أنه لما كان غرض النبي صلى الله عليه وآله قد تعلَّق بإبهام الاسم الصريح للإمام المهدي عليه السلام، خوفاً عليه من سلاطين الجور وأئمة الضلال، عبَّر عنه بما يحتمل أكثر من معنى؛ لتذهب العقول حيث شاءت؛ حتى لا تتيسَّر معرفته ولا يسهل تمييزه للطالبين لقتله عليه السلام والساعين للإمساك به.