سيرة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)

(4 - 61هـ)

كتاب: أئمة أهل البيت عليهم السلام

 

ولادته وسيرته :

ولد الإمام الحسين في الثالث من شهر شعبان في السنة الرابعة من الهجرة، في المدينة المنورة، سمّاه رسول الله حسيناً، وعقَّ عنه كبشاً، وعاش في كنف جدّه رسول الله حوالي سبع سنين، ومع أبيه أمير المؤمنين ستًّا وثلاثين سنة، ومع أخيه الإمام الحسن ستًّا وأربعين سنة، وكانت مدة إمامته عشر سنين وأشهراً.

وهو أحد أهل البيت الذين حثَّ النبي على مودَّتهم والتمسك بهم، وهو أحد سيّدَي شباب أهل الجنة، وأحد من نزلت فيهم آية التطهير، وأحد الذين خرج بهم النبي لمباهلة نصارى نجران.

وكان من أشبه الناس برسول الله ، وقد تواتر عن النبي أنه كان يحبّه، ويحبّ من يحبّه، بل يأمر بحبّه وموالاته، ويحذر من بغضه.

وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن النبي أخبر بأنه سيُقتل في العراق في أرض تسمى كربلاء، وبكى عليه وهو لا يزال صبيًّا صغيراً.

كما أن الأحاديث الدالة على فضله كثيرة، وهي مشهورة بين الفريقين، وستأتي جملة منها.

وكان الإمام الحسين بعد وفاة أخيه الإمام الحسن أفضل أهل الأرض عند أهل السماء، وكان من جملة بنود صلح الإمام الحسن مع معاوية أن الأمر بعد معاوية للإمام الحسن، فإن أصابه شيء فللإمام الحسين.

ولما هلك معاوية أمر يزيد بن معاوية عامله على المدينة بأخذ البيعة من جماعة منهم الإمام الحسين ، إلا أنه رفض البيعة، وذهب إلى مكة، ولكنه اضطر إلى الخروج منها لما علم أن يزيد أمر بقتله وإن كان متعلقاً بأستار الكعبة، فخرج إلى العراق استجابة لأهل الكوفة الذين كاتبوه وطلبوا منه القدوم لمبايعته بالخلافة.

إلا أن الإمام الحسين وهو في طريقه إلى العراق بلغه أن أهل الكوفة نكثوا بيعتهم، وأنهم انقلبوا على رسوله إليهم مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، وقتلوه.

وكان عبيد الله بن زياد والي يزيد على الكوفة قد هيأ ثلاثين ألف مقاتل لمحاربة الإمام الحسين بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، ووقعت معركة في كربلاء في العاشر من محرم سنة 61هـ، انتهت بمقتل الإمام الحسين وأبنائه وإخوته وأبناء عمومته وأصحابه الذين كان عددهم ينيف على السبعين بقليل.

وقد عاقب الله تعالى كل من شرك في قتله وأعان عليه بأنواع العقوبات وأشدِّها.

قال ابن كثير: وأما ما رُوي من الأحاديث والفتن التي أصابت مَنْ قَتَله فأكثرها صحيح، فإنه قلَّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابهم الجنون. (البداية والنهاية 8/203).

ومنذ أن قُتل الإمام الحسين إلى يومنا هذا صار قبره مزاراً للشيعة، يرتاده كل عام الملايين من شيعته ومحبّيه، رغم المخاطر التي واجهوها في عصر المتوكل العباسي الذي أمر في سنة 236هـ بهدم قبر الحسين ، ومنع الناس من زيارته [سير أعلام النبلاء 12/35]، وفي العصر الحاضر منع صدام حسين الناس من الذهاب إلى زيارة الحسين مشياً على الأقدام، وربما عاقب من خالف ذلك بالقتل، ومع هذا فإن الزيارة لم تنقطع، بل صار الزوار يعدون بالملايين في الزيارات المخصوصة كزيارة الأربعين، وزيارة ليلة نصف شعبان.        

بعض ما قيل في الثناء عليه:

قال الذهبي: الإمام الشريف الكامل، سبط رسول الله وريحانته من الدنيا، ومحبوبه، أبو عبد الله الحسين ابن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب... (نفس المصدر 3/280).

وقال النووي: الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله، سبط رسول الله وريحانته ، وهو وأخوه الحسن سيّدا شباب أهل الجنّة...

وقال: وقبره مشهور، يُزار ويُتبرَّك به، وحزن الناس عليه كثيراً، وأكثروا فيه المراثي . (تهذيب الأسماء واللغات 1/162-163).

وقال ابن الأثير: الحسين بن علي بن أبي طالب... أبو عبد الله، ريحانة النبي ، وشبهه من الصدر إلى ما أسفل منه، ولما وُلِد أذَّن النبي في أذنه، فهو سيَّد شباب أهل الجنّة، وخامس أهل الكساء، أمّه فاطمة بنت رسول الله سيّدة نساء العالمين، إلا مريم ݟ. (أسد الغابة 2/18).

وقال: وكان الحسين فاضلاً كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها. (المصدر السابق 2/20).

وقال ابن كثير: هو... السبط الشهيد بكربلاء، ابن بنت رسول الله فاطمة الزهراء، وريحانته من الدنيا. (البداية والنهاية 8/152).

وقال: إن الحسين عاصر رسول الله ، وصَحِبه إلى أن توفي وهو عنه راضٍ، ولكنه كان صغيراً، ثم كان الصدّيق يكرمه ويعظِّمه، وكذلك عمر وعثمان... وكان معظَّماً موقَّراً. (المصدر السابق 8/153).

وقال: وليس على وجه الأرض يومئذ أحد يساميه ولا يساويه. (المصدر السابق 8/154).

وقال أيضاً: فكل مسلم ينبغي له أن يُحزنه قتله ، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله ، التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً، وشجاعاً، وسخيًّا. (المصدر السابق 8/204).

بعض فضائله :

وفضائله كثيرة، تقدّم شطر منها في فضائل أخيه الإمام الحسن ، وهي على نحو الإجمال:

1- أن رسول الله سمّاه: الحسين.

2- أن الحسن والحسين ݟ سيّدا شباب أهل الجنة.

3- أنهما ݟ ريحانتا رسول الله .

4- أن الإمام الحسين من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

5- أنه ممن باهل بهم رسول الله نصارى نجران.

6- أن رسول الله كان يحمله على عاتقه وظهره في الصلاة وغيرها.

7- أن النبي كان يعوّذه بكلمات كان إبراهيم الخليل يعوّذ بها ابنيه إسماعيل وإسحاق ݟ.

8- أن بُغض الإمام الحسين بغض للنبي ، وحبُّه حبّه.

9- أنه ممن أُمِر الناس بموالاتهم، ونُهوا عن معاداتهم.

10- أن الإمام الحسين ممن كان النبي عنهم راضياً، ودعا الله لهم ليرضى عنهم.

فضائل أخر لم تـُذكر  سابقاً:

1- أن الإمام الحسين شبيه رسول الله :

أخرج البخاري والترمذي وغيرهما، عن أنس وغيره، قال: أُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي ، فجُعل في طست، فجَعل ينكت، وقال في حُسنه شيئاً، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله ، وكان مخضوباً بالوسمة. (صحيح البخاري 3/1150. سنن الترمذي 5/659).

وأخرج الترمذي وغيره عن علي، قال: الحسن أشبه برسول الله ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه بالنبي ما كان أسفل من ذلك. (سنن الترمذي 5/660، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب).

2- أن رسول الله كان يحب الإمام الحسين :

أخرج الترمذي وأحمد وغيرهما، عن البراء: أن النبي أبصر حسناً وحسيناً، فقال: اللهم إني أحبّهما فأحبَّهما. (سنن الترمذي 5/661، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد 5/210. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/179: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وفي 5/180 قال: رواه البزار، وإسناده جيد. وروى هذا الحديث أيضاً 5/180 عن أبي هريرة، وقال: رواه البزار، وإسناده حسن.).

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول الله وهو حامل الحسين بن علي وهو يقول: اللهم إنّي أحبه فأحبَّه. (المستدرك 3/195 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي).

3- أن رسول الله كان يلثم فم الإمام الحسين :

أخرج الحاكم عن أبي هريرة، قال: ... إن رسول الله خرج يوماً... فجلس في المسجد... فأتى حسين يشتد حتى وقع في حجره، ثم أدخل يده في لحية رسول الله ، فجعل رسول الله يفتح فم الحسين، فيدخل فاه في فيه، ويقول: اللهم إني أحبّه، فأحبَّه. (المستدرك 3/196، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي).

وأخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن أنس، قال: لما أُتي برأس الحسين بن علي  إلى عبيد الله بن زياد، جعل ينكت بقضيب في يده، ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقلت: والله لأسوأنَّك، لقد رأيت رسول الله يقبِّل موضع قضيبك من فيه. (المعجم الكبير 3/134. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/195: رواه البزار والطبراني بأسانيد، ورجاله وثِّقوا.).

4- أن الإمام الحسين من رسول الله ، ورسول الله منه:

أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وأحمد بن حنبل وغيرهم، عن يعلى ابن مرَّة، قال: قال رسول الله ، حسين مني، وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط. (سنن الترمذي 5/658، قال الترمذي: هذا حديث حسن. سنن ابن ماجة 1/51. المستدرك 3/177، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. مسند أحمد بن حنبل 4/172. المعجم الكبير 3/21. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/181: رواه الطبراني، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/539، وصحيح سنن ابن ماجة 1/30، وصحَّحه في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/229).

5- أن النبي أخبر بقتل الإمام الحسين ، وبكى عليه:

أخرج أحمد بن حنبل في مسنده وغيره عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: اصبرْ أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذا؟ قال: دخلت على النبي ذات يوم وعيناه تفيضان. قلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدَّثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟ قال: قلت: نعم. فمدّ يده، فقبض قبضة من التراب، فأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا. (مسند أحمد 1/85. المعجم الكبير 3/111. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا. ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/162، وقال: بالجملة فالحديث المذكور أعلاه والمترجم له صحيح بمجموع هذه الطرق وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير، لاسيما وبعضها قد حسَّنه الهيثمي).

وعن أم سلمة، قالت: كان رسول الله جالساً ذات يوم في بيتي، فقال: لا يدخل عليَّ أحد. فانتظرت، فدخل الحسين ، فسمعت نشيج رسول الله يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل! فقال: إن جبريل كان معنا في البيت، فقال: تحبّه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم. قال: إن أمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول جبريل من تربتها فأراها النبي ، فلما أحيط بحسين حين قُتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء. فقال: صدق الله ورسوله، أرض كرب وبلاء. (المعجم الكبير 3/115. مجمع الزوائد 9/188. قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات).