رد على أحمد إسماعيل كاطع

في استدلاله بدعاء لصاحب الأمر عليه السلام

روى الشيخ الطوسي قدس سره في مصباح المتهجّد دعاءً لصاحب الأمر عليه السلام مروياً عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: روى يونس بن عبد الرحمن: أن الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا: اللهم ادفع عن وليك وخليفتك، وحجّتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك، الناطق بحكمك، وعينك الناظرة بإذنك، وشاهدك على عبادك ... الخ.

وهذا الدعاء يستدل به أتباع أحمد إسماعيل ﮔﺎطع على أن الإمام صاحب الزمان عليه السلام له ذرية وأولاد، وأن بعض أولاده أئمة من بعده.

ويدلّ على الأمر الأول قوله عليه السلام: (اللهم أعطه في نفسه وأهله وولده وذرّيته وأمّته وجميع رعيّته ما تقرّ به عينه وتسرّ به نفسه).

ويدلّ على الأمر الثاني قوله عليه السلام: (اللهمّ صلِّ على ولاة عهده، والأئمة من بعده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم... ).

والجواب:

أن هذه الرواية لا دليل فيها على أن الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف له أولاد أئمة من بعده؛ وذلك لعدة أمور:

1- أن هذا دعاء لصاحب الأمر عليه السلام، ويراد بصاحب الأمر كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام، ولا يراد به خصوص الإمام المهدي المنتطر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وعليه فلا محذور في الدعاء لصاحب الأمر والأئمّة من ذرّيته؛ لأنّ أكثر أئمّة أهل البيت عليهم السلام جاء من بعدهم أئمة من أولادهم، وجميع ألفاظ الدعاء تنطبق على كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام، وليس في الحديث ما يختص بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام دون باقي الأئمة عليهم السلام، ليكون قرينة على أنه المراد دونهم، فلا دليل في هذا الدعاء على ما ذهب إليه اﻟﮕﺎطع وأتباعه.

قال الشيخ حسن بن سليمان الحلي قدّس سرّه:

اعلم أنّ هذا الدعاء يُدعى به لكلّ إمام في زمانه، ومولانا صاحب الأمر ابن الحسن عليه السلام أحدهم، فحينئذ يصدق عليه هذا الدعاء: اللهم وَصَلِّ على ولاة عهده والأئمة من بعده... إلى آخره. (مختصر البصائر: 459).

وقال الحرّ العاملي قدّس سرّه:

فلا يبعد أن يكون الرضا عليه السلام أمر بالدعاء لإمام العصر مطلقاً وللأئمّة من أولاده، وتلك الألقاب والأوصاف لا يمتنع إطلاقها على الرضا عليه السلام وكلّ واحد من أولاده عليهم السلام، وإن كان فيه بُعْد فإنه لا يصل إلى حد الامتناع، بل هو تأويل صالح للجمع بين الأخبار المختلفة. (الفوائد الطوسية: 118).

2- أن هذا الدعاء رواه السيد ابن طاووس قدّس سره في نفس الكتاب برواية أخرى ليس فيها قوله: «والأئمة من ولده، أو من بعده»، فإنّ السيد ابن طاووس قدّس سره ذكر تأويلاً لقوله الإمام عليه السلام في بعض الأدعية: «والأئمّة من ولده»، ثم قال:

ووجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل، وأذكرها لأنها أتمّ في التفصيل، وهي ما حدّث به الشريف الجليل أبو الحسين زيد بن جعفر العلوي المحمدي...

ثم ذكر نفس الرواية، وفيها: اللهم وَصَلِّ على ولاة عهوده، وبلِّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وانصرهم، وتمِّم لهم ما أسندت إليهم أمر دينك، واجعلنا لهم أعواناً، وعلى دينك أنصاراً، وصلِّ على آبائه الطاهرين الأئمة الراشدين... إلخ. (جمال الأسبوع: 310-313).

فإذا كان الحديث مروياً بغير هذه العبارة فإن اختلاف نسخه يضعف الاعتماد على النسخة التي ورد فيها ذكر الأئمة من ولده أو بعده، لأنها ربما تكون من تصحيف النسَّاخ.

3- أنا لو سلّمنا أنه دعاء للإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف بخصوصه فإنّ المذكور في الطبعة الحجرية من كتاب (جمال الأسبوع)، هو قوله: «اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمة من بعده»، وليس فيها قوله: «والأئمة من ولده»، وما ذُكر في الطبعة الحجرية هو الصحيح؛ بدليل قول ابن طاووس بعد هذا الحديث: قد تضمّن هذا الدعاء قوله عليه السلام: «اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمة من بعده»... (جمال الأسبوع الطبعة الحجرية: 511).

مضافاً إلى أن الشيخ المجلسي قدّس سرّه نقل هذا الدعاء في (بحار الأنوار 95/332 ) عن كتاب (جمال الأسبوع)، وذكر قوله: «اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمة من بعده». 

ورواه بلفظ «والأئمة من بعده»: الشيخ الطوسي قدّس سره في (مصباح المتهجّد: 293)، والكفعمي في كتابيه: (المصباح 2/642)، و(البلد الأمين: 123).

ومما قلناه يتبيّن أن نسخة (جمال الأسبوع) التي وردت فيها عبارة: «والأئمة من ولده» مغلوطة لا يمكن الاعتماد عليها.      

والمراد بالأئمة من بعده: الأئمة الأحد عشر السابقون له عليهم السلام، الذين يرجعون إلى الدنيا بعده، ويحكمون الدنيا واحداً بعد واحد كما دلت عليه الأخبار الكثيرة.

أو ما احتمله السيد ابن طاووس قدّس سرّه، حيث قال:

قد تضمَّن هذا الدعاء قوله عليه السلام: «اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمة من بعده»، ولعل المراد بذلك أن الصلاة على الأئمة الذين يرتّبهم في أيامه للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمة في الأحكام في تلك الأيام، وأن الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه صلوات الله عليه، بدليل قوله: «ولاة عهده»؛ لأن ولاة العهود يكونون في الحياة، فكأن المراد: اللهم صلِّ - بعد الصلاة عليه - على ولاة عهده وأئمة الصلاة الذين ينصبهم من قِبَله. (جمال الأسبوع: 310).

ويمكن أن يكون معنى قوله: «والأئمة من بعده» ما ذكره الحر العاملي قدّس سرّه، حيث قال:

البعدية لا يتعيّن كونها زمانية، بل يمكن كونها بمعنى المغايرة [أي بمعنى كلمة: غير]، بمنزلة البعدية في قوله تعالى: (فَمَنْ يَهْدِيْهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) [الجاثية: 23]، وعلى هذا يجوز كونهم في زمانه، ويكونون نوابه عليه السلام، وهذا لا ينافيه سوى قوله في الأول [يعني رواية كتاب (الغيبة)]: «فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه»، وقد عرفت أنه من طريق العامة، فلا حجّة فيه. (الفوائد الطوسية: 118).   

4- أنّا لو سلّمنا بدلالة هذا الدعاء على أنه سيكون من بعد الإمام المهدي عليه السلام أئمة من ولده، فلا بد من تأويل الدعاء بما لا يتعارض مع الروايات المتواترة الدالة على أن الأئمة اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، بأن يكون المراد بالأئمة في الدعاء وشبهه: العلماء الأجلاء المقدَّمون على غيرهم في العلم والزهد والتقوى والورع، من دون أن يكونوا معصومين منصوبين من الله تعالى كالاثني عشر.

5- أنّا لو سلّمنا جدلاً بأنّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يكون من بعده أئمّة معصومون من ولده، فإن هذا لا ينطبق على ما يزعمه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه، وذلك لأمرين:

1- أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع ليس من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام؛ لأن أباه وجده ووالد جده معروفون عند بعض أهل البصرة بأنهم ليسوا من ذرية النبي صلى الله عليه وآله، فهو ليس ابناً مباشراً للإمام المهدي عليه السلام كما يعترف هو بذلك، وليس ابناً بالواسطة كما هو الثابت الصحيح؛ لأن أحمد إسماعيل من عشيرة البوسويلم في البصرة، وهؤلاء لا ينتسبون للنبي صلى الله عليه وآله، ولا لأمير المؤمنين عليه السلام، ولا لسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو المعروف من نسبهم، وهم لا يدَّعون لأنفسهم أنّهم ينتسبون إلى الإمام المهدي عليه السلام، بل ينكرون ذلك.

فالرواية أجنبية عن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، ولا علاقة لها به، ولا تشير إليه بأي نحو من الإشارة.

2- أن الدعاء صادر عن الإمام الرضا عليه السلام، وفي وقت صدور الدعاء لم يكن الإمام صاحب الزمان عليه السلام مولوداً بعد، فإنْ سلمنا بأنه عليه السلام سيكون له أولاد وذرية، فعلى من يزعم أن للإمام المهدي عليه السلام أولاداً وذرية في هذا الزمان وهو عصر الغيبة أن يثبت ذلك بدليل صحيح؛ إذ لعل الذرية سيولدون له بعد خروجه المبارك وبعد قيامه بسنين كثيرة، أي أن مجرد دعاء الإمام الرضا عليه السلام لأولاد الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف قبل وجودهم بسنين كثيرة لا يدل على أنهم موجودون فعلاً في هذا الزمان الذي نحن فيه.

والنتيجة أن هذه الرواية لا دلالة فيها على أن الإمام المهدي عليه السلام يكون بعده اثنا عشر إماماً مهديًّا من ولده، وهي لا تدل على شيء من دعاوى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع ولا تشير إليه لا من قريب ولا بعيد.