هل أخطأ الإمام الحسين عليه السلام في خروجه؟

الشيخ علي آل محسن

من وصية أوصى بها الإمام الحسين أخاه محمد بن الحنفية رضوان الله عليه قال: وإني لم أَخْرُجْ أَشَرًا، وَلَا بَطَرًا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي ، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسيرَ بسيرة جدّي وأبي عليِّ بن أبي طالب . (بحار الأنوار 44/329).

وهذه الوصية تدل على أن الإمام الحسين خرج لطلب الإصلاح في هذه الأمة، وأنه أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه لم يخرج لأهداف دنيوية أو شخصية.

وخروج الإمام الحسين أثار جدلاً واسعًا بين الشيعة ومخالفيهم، إذ اختلفوا في أن الإمام الحسين هل أخطأ في خروجه أو أصاب؟

أما الشيعة فأجمعوا على قول واحد على أن الإمام الحسين كان مصيبًا في خروجه؛ ولم يخالف منهم واحد قديماً وحديثًا؛ لاعتقادهم بأن الإمام الحسين معصوم من الذنب والخطأ، وأنهم يعرفون الحق من قوله وفعله.

وأما مخالفو الشيعة فذهب كثير منهم ولعله مشهورهم إلى أن الإمام الحسين أخطأ في خروجه، وكان ينبغي له ألا يخرج، وأن يبايع يزيد بن معاوية.

قال ابن تيمية في منهاج السنة 4/530: «ولم يكن في الخروج لا مصلحةُ دينٍ ولا مصلحةُ دنيا، بل تمكّن أولئك الظلمةُ الطغاةُ من سبط رسول الله ﷺ حتى قتلوه مظلومًا شهيدًا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإنّ ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونَقَصَ الخير بذلك، وصار ذلك سببًا لشرٍّ عظيم. وكان قتلُ الحسين ممّا أوجب الفتن، كما كان قتلُ عثمانَ ممّا أوجب الفتن».

لكن قبل أن ننظر في هذه الحادثة، ونحكم فيها بأن خروج الإمام الحسين كان خطأ أم صوابًا، لا بد أن نعرف الأسباب التي لأجلها خرج الإمام الحسين .

فإن أسباب خروج الإمام الحسين فيها كلام كثير، وآراء متعددة، منها: أنه خرج آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر؟

ومنها: أنه خرج ثائرًا طالبًا للملك والخلافة؟

ومنها: أنه خرج خائفًا من قتل الأمويين له؟ كما قال الشاعر:

خرج الحسينُ من المدينةِ خائفًا ..... كخروجِ موسى خائفًا يتكتمُ

وقد انجلى عن مكةٍ وهو ابنُها ..... وبه تشرّفتِ الحطيمُ وزمزمُ

لم يَدْرِ أين يريحُ بُدْنَ ركابِه ..... فكأنما المأوى عليه محرّمُ

فإذا كان خروجه خوفًا من القتل، حيث كان يبحث عن مأمن له من الأرض، فكيف يمكن أن نقول: إنه أخطأ في ذلك.

وإذا كان قد خرج ممتنعًا عن بيعة يزيد الذي كان متجاهرًا بالمنكرات والكبائر، فلا يصح تخطئته في ذلك.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 4/37 في ترجمة يزيد بن معاوية:

«كَانَ قَوِيّاً، شُجَاعاً، ذَا رَأْيٍ، وَحَزْمٍ، وَفِطْنَةٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَكَانَ نَاصِبِيّاً، فَظّاً، غَلِيْظاً، جِلْفاً، يَتَنَاوَلُ المُسْكِرَ، وَيَفْعَلُ المُنْكَرَ. افْتَتَحَ دَوْلَتَهُ بِمَقْتَلِ الشَّهِيْدِ الحُسَيْنِ، وَاخْتَتَمَهَا بِوَاقِعَةِ الحَرَّةِ، فَمَقَتَهُ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَارَكْ فِي عُمُرِه».

فإذا كان الإمام الحسين رأى أن يزيد ليس أهلا للبيعة، ومثلُه لا يبايع مثل يزيد، والبيعة ليست واجبة عليه؛ لأنه لا يجب على جميع المسلمين عندهم أن يبايعوا الخليفة، وإنما يجب على بعض دون بعض، كما أنه لا يصح الإكراه عليها.

إذن فالإمام الحسين لم يفعل خطأً، ولا سيما أن أكثر مذاهب أهل السنة على عدم جواز التقية من المسلم.

لكن كثيراً من المخطّئين للإمام الحسين نظروا إلى النتائج، وهي أن الإمام الحسين قُتل في كربلاء هو وأهل بيته وأصحابه، فرتبوا على ذلك الحكم بخطئه .

وهذا غير صحيح؛ لأن نفس هؤلاء لا يخطِّئون عثمان بن عفان الذي رفض أن يتنازل عن الخلافة، حتى قُتل، وحدثت من بعده فتنة عظيمة وحروب متعددة ذهب ضحية فيها عشرات الآلاف من المسلمين...

وابن تيمية كما ذكرنا جعل قتل الحسين مشابهًا لقتل عثمان فيما ترتّب من فتن عظيمة وسفك دماء، حيث قال في منهاج السنة: «وكان قتلُ الحسين ممّا أوجب الفتن، كما كان قتلُ عثمانَ ممّا أوجب الفتن».

أضف إلى ذلك أن أكثر من خطَّأ الإمام الحسين نظر إلى نصيحة ابن عباس وابن عمر ومحمد بن الحنفية له ، وتحذيرهم له من أهل غدر الكوفة.

لكن المتأمل فيما قاله هؤلاء الناصحون للإمام الحسين يجد أنهم إنما حذروه من غدر أهل الكوفة، ولم ينصحوه بعدم الخروج أصلاً.

أضف إلى ذلك أن هؤلاء الناصحين كانوا يخافون عليه القتل؛ لأنهم سمعوا من رسول الله أحاديث كثيرة يذكر فيها أن الحسين سيُقتل في كربلاء.

ومع الإغماض عن كل ذلك فإن مخالفة الإمام الحسين لنصائح هؤلاء لا يستلزم بالضرورة صوابهم وخطأه .  

ثم إننا نضيف إلى ما قلناه في بيان أن خروج الإمام الحسين كان صوابًا لا خطأ عدّة أمور:

1- ما قلناه من أن الإمام الحسين امتنع عن بيعة يزيد بن معاوية، ولذلك خرج من المدينة، لأنه كان مهدَّدًا بالقتل لو بقي فيها، وإنما لجأ إلى مكة كي لا يُجبر على البيعة، لأن من دخلها كان آمنا.

لكن لما علم بأن السلطة الأموية أرسلت 30 رجلاً لقتل الإمام الحسين وإن كان متعلقا بأستار الكعبة، خرج منها كي لا تستباح بسببه حرمةُ الحرم، وكان أفضل الخيارات بالنسبة له: الكوفة، باعتبار أن هناك كثيرًا من شيعته وأنصاره، ورجال آخرين دعوه إلى البيعة.

ولا شك أنه من حقه أن يمتنع عن بيعة يزيد، فإنها مع تسليم صحّتها لا تكون واجبة عليه، ولا سيما أن فيها من المفاسد الكثيرة ما فيها.

وبملاحظة جميع ذلك يحصل لنا الجزم بأنه لا يمكن الحكم بخطأ الإمام الحسين في خروجه.  

2- أن الإمام الحسين خرج يريد الإصلاح في هذه الأمة، آمِرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، كما بيَّن ذلك الإمام الحسين في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية.

وأي منكر أعظم من تولي يزيد بن معاوية على هذه الأمة، الذي كان يتجاهر بالمنكرات والمعاصي، وفيها سيد شباب أهل الجنة وبقية الصحابة؟! والذي بخلافته تحولت الخلافة إلى ملك عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء.

3- أن النبي أخبر الناس بقتل الإمام الحسين في كربلاء، في روايات كثيرة صحيحة.

منها: ما أخرجه أحمد في المسند 6/294 بسنده عَنْ عَائِشَةَ أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا: لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، قَالَ: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ».

قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

ومنها: ما أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 3/115 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَيْتِي قَالَ: لَا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدٌ. فَانْتَظَرْتُ فَدَخَلَ الْحُسَيْنُ، فَسَمِعْتُ نَشِيجَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَبْكِي، فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا حُسَيْنٌ فِي حِجْرِهِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ حِينَ دَخَلَ، فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَتُحِبُّهُ؟ قُلْتُ: أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَنَعَمْ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلَ هَذَا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: كَرْبَلَاءُ، فَتَنَاوَلَ جِبْرِيلُ مِنْ تُرْبَتِهَا، فَأَرَاهَا النَّبِيَّ ﷺ فَلَمَّا أُحِيطُ بِحُسَيْنٍ حِينَ قُتِلَ قَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الْأَرْضِ؟ قَالُوا: كَرْبَلَاءُ، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: كَرْبٌ وَبَلَاءٌ.

قال الهيثمي 9/188: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ، وَرِجَالُ أَحَدِهَا ثِقَاتٌ.

والنبي لم ينهه عن الخروج إلى كربلاء، ولم يأمر أمير المؤمنين بنهيه، ولم يأمر الصحابة بذلك، فلا يوجد حديث واحد ولو ضعيفًا يدل على ذلك.

بل إن أمير المؤمنين أمر الإمام الحسين بالصبر على ما يصيبه في كربلاء.

فقد أخرج أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ بأسانيدهم عَنْ نُجَيٍّ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ ݤ وَكَانَ صَاحِبَ مُطْهَرَتِهِ، فَلَمَّا حَاذَى نِينَوَى وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صِفِّينَ، فَنَادَى عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ. قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَغْضَبَكَ أَحَدٌ؟ مَا شَأْنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ؟ قَالَ: بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ. قَالَ: فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَدَّ يَدَهُ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَأَعْطَانِيهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ أَنْ فَاضَتَا. (مسند أحمد 1/85، مسند أَبي يَعْلَى 1/206، مسند الْبَزَّار 3/101، المعجم الكبير للطَّبَرَانِيّ 3/111).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/187: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ نُجَيٌّ بِهَذَا.

وهناك أدلة أخرى تدل على أن خروج الإمام الحسين كان صحيحًا، وأن فيه مصالح عظيمة للإسلام والمسلمين، لكن فيما ذكرناه كفاية تجنبًا للإطالة وخوف الملالة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.