الشيخ محمد إسحاق الفياض
مرات العرض: «5415» حفظ الصورة تكبير الصورة
لمحة خاطفة في حياة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله

ولد الشيخ محمد إسحاق الفياض سنة 1351هـ وفي معجم رجال الفكر والأدب للأميني أنه ولد سنة 1350هـ ، كما ذكر الفتلاوي رحمه الله في كتابه المنتخب في أعلام الفكر والأدب أن ولادة سماحة الشيخ في سنة 1353 هـ وأنه زار سماحته وأخذ منه معلومات عن حياته، وعلى أي حال فالصحيح ما ذكرناه وقد ذكره الشيخ الفاضلي في كتابه (الشيعة في أفغانستان).
وقد كانت ولادة سماحة الشيخ الفياض دام ظله في إحدى قرى محافظة (غزني) في وسط أفغانستان، وهو ثاني أبناء والده محمد رضا، وكان والده رحمه الله المتوفى سنة 1989م فلّاحاً بسيطاً يعمل عند بعض المتمولين في القرية من ملّاك الأراضي ليقتات من عرق جبينه في إعاشة عياله، وكان يرى ذلك المزارع المؤمن البسيط في ولده محمد إسحاق من علامات النبوغ والذكاء ما ألزمه أن يوليه اهتماماً ورعاية خاصة، وكأنه يقرأ في ملامح ولده مذ ولادته ما يكون عليه في مستقبل الأيام.

قام والده بإرساله إلى مكتب شيخ القرية يومياً -حيث لا توجد مدارس نظامية في القرية آنذاك- ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وهو في الخامسة من العمر، وفي فصول الشتاء يحمل الوالد الكريم صغيره على ظهره مغطياً إياه بما يكفي لحمايته من البرد القارص عبر الطرق الوعرة والثلوج الكثيفة، ليوصله إلى مكتب الشيخ صباحاً ويعود به إلى البيت مساءً.

ثم قرر الشيخ محمد إسحاق إكمال دراسته في الحوزات الدينية ?ما كانت كذلك رغبة والده رحمه الله، فقرأ على شيخ القرية كتاب جامع المقدمات وهو كتاب يشتمل على عدة مختصرات في النحو والصرف والمنطق والأخلاق لعدة مؤلفين.

ثم انتقل الطالب المجد بعد مكتب شيخ القرية إلى قرية (حوت قل) المجاورة وهو ابن الخامسة عشر من العمر لينظم إلى صفوف المدرسة الدينية، وأكمل في تلك المدرسة قراءة كتاب (جامع المقدمات) وكتاب (البهجة المرضية في شرح الألفية) المعروف في الأوساط الدراسية بكتاب السيوطي نسبة إلى مؤلفه جلال الدين السيوطي، وهذا الكتاب في النحو وقواعد اللغة العربية، وبقي الشيخ في هذه المدرسة لعدة سنوات.

وفي تلك الفترة فقد الشيخ والدته رحمها الله حيث وافاها الأجل المحتوم اثر مرض ألم بها، فحزن لفقدها وتألم كثيراً، إلا أن المصاب رغم فداحته لم يثنه عن مواصلة التعلم، بل زاده إصراراً حتى قرر الانتقال من مدرسة القرية إلى مدينة مشهد المقدسة في إيران.

استقر الشيخ محمد إسحاق لسنة واحدة في مشهد المقدسة قرأ خلالها كتاب (حاشية ملا عبدالله)، ومقداراً من كتاب (المطول) عند الأستاذ الشهير العلامة الشيخ محمد حسين الأديب النيشابوري رحمه الله.

الهجرة إلى النجف الأشرف:

هاجر الشيخ الفياض إلى النجف الأشرف سنة 1369تقريباً وله من العمر ثمانية عشر عاماً، ومنذ وصوله إلى النجف واستقراره في المدرسة، بدأ بشوق وجد واجتهاد دون كلل أو ملل بإكمال ما تبقى عنده من الكتب التي قرأها في مدرسة القرية أو في حوزة مشهد، فقرأ كتاب (قوانين الأصول) للمحقق القمي وكتاب (حاشية ملا عبد الله) وأخذ قسماً من كتاب (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) عند آية الله المحقق المرحوم الشيخ ميرزا كاظم التبريزي، وأكمل كتاب (اللمعة) عند آية الله المرحوم السيد أسد الله المدني وآية الله المرحوم الميرزا علي الفلسفي، كما أكمل كتاب (المطول) عند المرحوم العلامة الجليل الحجة الشيخ محمد علي المدرس الأفغاني والذي أصبح الشيخ الفياض صهراً له فيما بعد.

ثم انتقل الطالب المجد إلى دراسة مرحلة السطوح ليتأهل لحضور بحوث الخارج لدى العلماء الكبار، فقرأ كتاب (الكفاية) للشيخ الآخوند الخراساني وكتابي (الرسائل) و (المكاسب) للشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري عند الأستاذ الشهير المرحوم آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني، كما كان في تلك الفترة يتباحث في الكتب التي يدرسها مع بعض زملائه، ويدرّس ما فرغ من تحصيله إلى الطلبة المبتدئين من بعده، كما هو المتعارف في نظام التعليم في الحوزة الدينية في النجف الأشرف، حيث يتمرن الطالب منذ البدء على تعلم نظام التدريس وهو يدرس مرحلة أعلى، فهو تلميذ وأستاذ في وقت واحد، وتسمّى تلك المرحلة في عرف الحوزات الدينية بمرحلة السطوح التي تستغرق حوالي خمس سنوات للطالب المجد والمثابر، والتي انتهى منها الشيخ الفياض بأقل من تلك المدة والتحق بحلقات بحوث كبار العلماء لمرحلة الخارج.

البحث الخارج:

حضر الشيخ الفياض في بحث الفقه لمرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره مدة سنة، كما حضر عند الفقيه الكبير آية الله الميرزا محمد باقر الزنجاني قدس سره مدة ستة أشهر في خارج المكاسب.

ولكن عمدة حضوره عند أستاذه الأعظم وشيخه الأفخم زعيم الحوزة العلمية المحقق الكبير آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره، فقد حضر عنده من بحث المكاسب المحرمة من الدورة الثانية وأكمل البيع والخيارات ثم حضر الطهارة والصلاة من العروة الوثقى، أي كان حضوره عنده في الفقه أكثر من عشرين سنة، من سنة 1372هـ إلى 1393هـ تقريباً.

وقد حضر عنده في خارج الأصول من أواخر الاستصحاب من دورته الثالثة أي في سنة 1374 هـ، ثم حضر في الدورة الرابعة الممتدة من سنة 1375هـ إلى 1382هـ وكتب التقرير، ثم حضر مقداراً كثيراً من الدورة التي تليها.

وقد اعتاد العلماء الأفاضل في الحوزات العلمية أن يقرروا بحوث الأستاذ بعد الدرس على بعض زملائهم ويكتبونها منظمة بعد التحقيق وإخراج المصادر والمقارنة بين الآراء وأدلتها، ومن ثم عرضها على الأستاذ فإن وافق عليها تطبع وتنشر لتكون دليلاً على قوة البحث وبيان رأي الأستاذ وفضل الطالب، وتلك الكتب المعروفة في أوساط الحوزات العلمية بـ (التقريرات)، وقد دأب الشيخ الفياض منذ حضوره بحث أستاذه الإمام الخوئي على هذا المنوال، فكان يقرر البحث على بعض الزملاء وواظب على كتابتها يوماً بعد يوم في حلقتي الفقه والأصول، حتى أكمل تقرير دورة كاملة من دورات بحث الأستاذ في علم أصول الفقه ، فكان الكتاب المعروف بـ (المحاضرات).

وقد قرّظه السيد الخوئي بتقريظ بديع أشاد به بمواهب تلميذه الذي كان في الثانية والثلاثين من عمره، وقد ذكر فيه بعد الحمد والصلاة:

(فإني أحمد الله تعالى على ما أولاني به من تربية نفر من ذوي الكفاءة واللياقة حتى بلغ الواحد منهم تلو الآخر درجة راقية من العلم والفضل، وممن وفقت لرعايته وحضر أبحاثي العالية في الفقه والأصول هو قرة عيني العلامة المدقق الفاضل الشيخ محمد إسحاق الفياض دامت تأييداته، وقد عرض علي الجزء الأول من كتابه (المحاضرات في أصول الفقه) الذي كتبه تقريراً لأبحاثي بأسلوب بليغ وإلمام جدير بالإشادة والإعجاب)

وقال في تقريظ الجزء الثاني:

(وبعد فإن كتاب محاضرات في أصول الفقه الذي ألّفه قرة عيني المعظّم، العلامة المفضال المدقق، الشيخ محمد إسحاق الفياض دامت تأييداته تقريراً لأبحاثنا العالية في علم الأصول، قد تميّز بالدقة والإتقان، وحسن الأسلوب والبيان، كما دلّ على كفائته في العلم، وغزارته في الفضل)

وقد كانت علاقة الشيخ الفياض بأستاذه الخوئي علاقة مميزة جداً، حيث لازمه خارج الدرس، وصار من أعضاء جلسة الاستفتاء الدائمة لمدة خمسة وعشرين سنة إلى جانب كل من آية الله السيد علي البهشتي وآية الله السيد مرتضى الخلخالي قدس سرهما، فصار من أكثر الخبراء بمبانيه وفتاواه ومرجعاً يُركن إليه في ذلك، كما أن كتاب (مباني تكملة المنهاج) هو من كتابة الشيخ الفياض، حيث كان تعقد جلسة خاصة بالسيد الخوئي لم يكن يحضرها سوى الشيخ الفياض وآية الله السيد البهشتي، وتطرح فيها مسائل تكملة المنهاج وتتم مداولة الدليل على المسألة والمناقشة فيه لتحقيق تماميته ثم يقوم الشيخ بالكتابة ويعرض المكتوب على السيد الخوئي لإمضائه ومراجعته.

تدريسه:

كان الشيخ الفياض واحداً من الأساتذة المبرزين المشهورين في الحوزة حيث يلقي دروسه وبحوثه على جمع كبير من الأفاضل من طلاب العلوم الدينية، وكان يدرّس الكتب المعهودة لمستوى السطوح العليا وهي الرسائل والكفاية والمكاسب في حلقات متعددة في المسجد الهندي المعروف، كما كان أستاذ هذه المرحلة لأكثر من عشر سنوات في جامعة النجف الدينية التي أسسها المرحوم السيد محمد كلانتر، ونلاحظ أن الشيخ الفياض قد اهتم بتدريس هذه الكتب في دورات متعددة، إذ المعروف أن من أسباب النضج العلمي تدريس كتب السطح العالي مرات عديدة.

ومما ينصح به الشيخُ الفياض أساتذة السطوح العليا بل وطلابها هو مراجعة تقريرات الأعلام كتقريري بحث المحقق النائيني أجود التقريرات وفوائد الأصول وتقريرات السيد الخوئي، لأنها تساعد على فهم مطالب الرسائل والكفاية، وكذا الكلام في الفقه، فتراجع تقريرات بحث السيد الخوئي وغيره في بحث المكاسب.

ثم بدأ الشيخ الفياض بإلقاء بحوث الخارج عام 1398هـ في مدرسة السيد اليزدي الصغرى الواقعة في محلة العمارة، وعند افتتاح مدرسة دار العلم المعروفة التي أنشأها الإمام الخوئي عام 1400هـ انتقل مجلس بحثه إلى هناك حتى تاريخ هدم المدرسة، فانتقل مجلس الدرس إلى المسجد الهندي الكبير في فترة قليلة، ومن ثم إلى مدرسة اليزدي، وبعد سقوط النظام انتقل الدرس إلى بيته ويحضره جمع كبير من الطلبة وفيهم الكثير من الأفاضل.

وقد درّس الشيخ الفياض دورتين كاملتين في علم الأصول كل واحدة منهما استغرقت 15 سنة انتهت الثانية منهما في أواخر سنة 1428هـ وشرع في الثالثة في بداية 1429هـ، وقد وصل فيها الآن – 1440هـ - إلى مباحث العلم الإجمالي.

ودرّس الشيخ من الفقه كتاب الاجتهاد والتقليد والطهارة، وشرع في حوالي سنة 1415هـ في كتاب الصلاة، وانتهى منه في 10 جمادى الأولى سنة 1432هـ، وبعده شرع في كتاب الصوم والاعتكاف وانتهى منه في 4 ذي القعدة 1434هـ، وفي نفس اليوم شرع في كتاب الزكاة، وانتهى منه سنة 1438هـ وشرع في كتاب الخمس ولا يزال مستمراً.

يقول الشيخ علي آل محسن في مقال كتبه عنه:

(كان درس شيخنا الأستاذ ولا سيما في الأصول الدرس الذي استقطب كثيراً من فضلاء طلبة العلم في الفترة التي حضرتها في النجف الأشرف، ولعلّي لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن درسه في علم الأصول كان أهم الدروس في وقته؛ لأن أكثر مراجع النجف إما لم تكن لهم بحوث في الأصول، أو كانت دروسهم لا تقاس بدرسه، وقد امتازت بحوث الشيخ الأستاذ في الفقه والأصول بالعمق، والترتيب، وحسن البيان، وقوة الاستدلال، كما يشهد بذلك كل من حضر بحثه الشريف)

من تلامذته في السطوح العليا: الشيخ علي المروّجي القزويني، الشيخ محمد هاشم الصالحي المدرّس، الشيخ محمد الأميني البامياني، السيد علي الخراساني.
ومن تلامذته في البحث الخارج: الشيخ محمد جواد المهدوي، الشيخ مهدي المصلي التاروتي، الشيخ علي آل محسن، الشيخ محمد حسين الأنصاري، السيد محمد البكاء، الشيخ علي الربيعي، السيد باقر العلوي، السيد حسن بن السيد رضي المرعشي، الشيخ جواد السلطان الأحسائي، الشيخ عبد الأمير الخرس الأحسائي، الشيخ خالد السويعدي البغدادي، السيد أبو الحسن حميد المقدّس الغريفي، السيد محمود المقدّس الغريفي، الشيخ علاء أبو طابوق، السيد طعمة الجابري، الشيخ أحمد الطفيلي، الشيخ محمد علي محراب الرحيمي، السيد محمد صالح بن السيد مهدي الخرسان، الشيخ عمّار الأسدي، الشيخ عادل هاشم، الشيخ حسين الرميتي العاملي، السيد عباس بن السيد رضي المرعشي،الشيخ علي العباس التاروتي، الشيخ زامل الشويخات السيهاتي، الشيخ محمد جواد السعيدي، الشيخ غلام حسين برهيزكَاري، السيد حسن والسيد حسين ابنا السيد محمد رضا السيستاني.

مؤلفاته:

1-محاضرات في أصول الفقه، في عشر مجلدات ، طبع خمسة منها.
2-الأراضي، ذكر فيه أحكام الأراضي في الشريعة الإسلامية بصورة استدلالية.
3-النظرة الخاطفة في الاجتهاد
4-تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى، طبع منها عشرة أجزاء.
5-أحكام البنوك، ذكر فيه حلولاً إسلامية للتعاملات البنكية المعروفة.
6-منهاج الصالحين، في ثلاثة مجلدات.
7-مناسك الحج.
8-المباحث الأصولية، في 15 مجلدا.
9-موقع المراة في النظام السياسي الاسلامي.
10-الاستفتاءات الشرعية في 3 مجلدات.
11-مائة سؤال وسؤال حول الكتابة والكتاب والمكتبات.
12-منهج الحكومة الاسلامية.
13-المسائل المستحدثة.
14-المسائل الطبية.
15-المختصر في الحياة العلمية لزعيم الحوزة السيد الخوئي.

وفي عام 1438هـ طُبعت تقريرات بحثه في كتاب الصوم تحت عنوان (فيض العروة الوثقى) بقلم العلّامة الجليل السيد محمد البكاء حفظه الله، وذلك في مجلدين، مع تقريظ وإجازة الشيخ دامت بركاته، وكذلك طُبع المجلد الأول من تقريرات بحثه في صلاة المسافر بقلم الفاضل العلامة الشيخ عادل هاشم تحت عنوان المباحث الفقهية مع تقريظ من الشيخ دام ظله، ثم في سنة 1440 هـ طُبع المجلد الثاني من صلاة المسافر.

ملاحظة: كثير مما ورد في الترجمة مستل ومستفاد مما كتبه الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي.

الشيخ المحمدي البامياني
الشيخ محمد اسماعيل فقيه محقق